الثلاثاء 23 فبراير ,2021 الساعة: 12:29 صباحاً
أنسم - تعز - فاروق علوان
قرب عين ماء في جبل حبشي، كان بضعة أطفال -لم يتجاوزوا العاشرة- يلعبون بالطين أثناء رعي الأغنام: يرسمون وينحتون.. لكن، الوجه الطيني الذي شكله عزيز كان مختلفًا أدهش الجميع.. وبعد 18 عامًا: عزيز يدهش الجميع بلوحته التي جسد فيها وجه الفنان أيوب طارش بـ “الدبابيس”.
عزيز المعافري
يتذكر الشاب عزيز عبد العيلم المعافري طفولته في جبال قريته “المبها” في جبل حبشي -غرب تعز- ويتذكر رفاقه الذين شكلوا أول جمهور له في تلك الجبال، “كانوا جميعًا سعداء ويجمعون لي الطين لأصنع الوجوه وأشكلها”.
يقول لـ البوابة اليمنية للصحافة – أنسم: “لم أكن قد تجاوزت العاشرة حينها، وكان عندي شغف وميل شديدين لفعل ذلك، فكنت أقوم بتجميع ما اشكله من الطين والاحتفاظ به، وشجعني أبي كثيرًا وأصبح لي رف خاص في البيت أضع عليه تلك الأعمال”.
ظل الطفل الموهوب المولود في 1993 يمارس هوايته بشغف، يعمل المجسمات ويمارس الرسم، بتشجيع من والده الذي ساعده في تنمية مهاراته وتقديمه كطفل موهوب، لتتنمى موهبته وتكبر عامًا بعد عام، “كان والدي معلمًا في المدرسة وكان بتشجيعه والاخرين لي نقلة خاصة حينها، فحصلت على المركز الأول عديد مرات في مدرستي (الصديق) وبعدها حصلت على المركز الأول على مستوى مدارس المديرية 2012- 2013”.
وتابع: “حظيت باهتمام مدير المدرسة الاستاذ يوسف غالب ومسؤول الأنشطة الاستاذ سلطان احمد وكانوا يقفون إلى جواري ودفعوا بي للمشاركة في العديد من المشاركات حتى حصلت على المركز الأول على مستوى مدارس محافظة تعز في وكنت حينها في الصف الثالث الثانوي 2013-2014”.
صقل الشغف
أنهى الشاب عزيز مرحلة الثانوية في 2014 ولم يكن عليه أن يفكر إلى أي كلية سيتجه، فقد كان هدفه واضحًا: الفنون الجميلة.. يقول عزيز: “قد تكون الموهبة عنصرًا أساسيًا للإبداع، لكنها بحاجة إلى دراسة لصقلها أكثر وتطويرها.. لابد من التأسيس الأكاديمي من أجل أن تعطي اللوحة حقها شكلًا وموضوعًا”.
التحق التشكيلي الشاب بقسم الفنون الجميلة في كلية الآداب جامعة تعز في العام الدراسي 2016-2017، يملؤه الحماس والشغف، ولم يتخلَ عن روح الطفل القادم من الريف متمسكًا بمركزه الأول رغم الظروف المادية الصعبة التي يعيشها كطالب وظروف الحرب التي تعيشها البلاد منذ ست سنوات، “حصدتُ المركز الأول عامين متتاليين في مجال الرسم على مستوى الجامعة: 2019 في مجال الرسم بالقلم الرصاص و2020 في مجال الرسم بالألوان الزيتية” قال لـ أنسم.
شارك عزيز المعافري في العديد من المعارض، منها: “المعرض الالكتروني: لون الورد الورد، الذي أقيم في تركيا.. وشاركت في معرض: تعز نزف بألوان الحياة، الذي أقيم في الجامعة لقسم الفنون 2018.. وشاركت في المعرض المحلي الدولي: العالم يرسم في تعز السلام، في فبراير 2019 بمشاركة أكثر من 60 فنانًا يمنيين وعرب وأجانب من: تركيا، فرنسا، بريطانيا، السعودية، سوريا، لبنان وفلسطين”.
معاناة
يضطر عزيز للعمل بالأجر اليومي، ليستمر في فنه ودراسته، “أعمل كثيرًا في البناء ليتسنى لي توفير احتياجات مرسمي البسيط من الألوان والأدوات.. أحيانا أحرم نفسي من بعض الأشياء لأتمكن من توفير أدواتي”.
يعيش عزيز في سكن صغير (عزبة) مشاركًا عدد من الطلاب الجامعيين، ويمارس الرسم من نفس الغرفة التي ينام فيها بمشاركة ثلاثة آخرين، جوار زاويته المكتظة بالادوات واللوحات ذات المواضيع المتعددة، “أشعر بالارتياح وأنا أنظر إلى لوحاتي قبل أن أنام”.
وأردف: “أحيانًا أشعر بالخجل لأنني أظل أرسم ورفاقي يريدون أن ينامون، وتزعجهم رائحة الألوان، لكنهم -مع ذلك- يشجعونني ويتضامنون معي بالصبر”.
يتمنى عزيز أن الذي مايزال في السنة الأخيرة لدراسنتة الجامعية ويتصدر الترتيب الاول في قسم الفنون الجميلة، ان يكون له مرسمه فضاؤه الخاص، ” أريد حياة مستقرة، ليتسنى لي تقديم أعمالي وان أطور نفسي أكثر، اريد أن استمر في دراساتي العليا”
الريف
إلى جانب المواضيع العديدة التي تجسدها لوحات عزيز، نجد أن الريف والمرأة يحتل حيزًا كبيرًا بينها، “أنا ابن الريف هناك تربيت وهناك أهلي وكفنان يتحتم علي تجسيد معاناة الناس هناك التي عايشتها معهم من قبل”.
وأضاف لـ أنسم: “تحتل المرأة جزء كبير من لوحاتي، فهي من تتحمل أعباء العمل في البيت والحقل ولها دورها في العديد من الأعمال الشاقة، وهي بحاجة إلى من يوصل معاناتها وخاصة المرأة في الريف”.
وتابع: “الواقع مليء بلوحات مدهشة، لهذا فأنا أحب المدرسة الواقعية، ففيها التحدي والعشق في تجسيدها، وهي تنعكس من واقعنا الذي نعيشه”.
المعافري وايوب طارش
حازت اللوحة التي رسمها التشكيلي الشاب عزيز المعافري من خلال الدبابيس للفنان أيوب طارش بالدبابيس إعجاب الكثيرين وتمت مشاركتها على نطاق واسع في السوشيال ميديا الأسبوع الماضي.
17.100 دبوسًا استخدمها الفنان الشاب في تشكيل وجه فنان اليمن الكبير أيوب طارش.. يقول عزيز لـ أنسم:”استغرقت وقتًا طويلًا للانتهاء منها بسبب عدم توفر المواد، إلا أن التقدير الكلي للوقت الذي أخذته اللوحة هو 40 ساعة متقطعة”.
ويشير المعافري إلى الصعوبات التي واجهته من عدم توفر الألوان المناسبة للدبابيس، “لهذا أضطررت كثيرًا لإعادة تلوين رؤوس الدبابيس بالألوان التي احتاجها”.
يقول عزيز لـ أنسم أن هذه الطريقة “الرسم بالدبابيس” غير منتشرة في اليمن أن اختياره لها كان من باب التحدي كونه يقوم به لأول مرة، “لهذا كان لابد من اختيار شخصية لها حضورها، فأخترت الفنان أيوب طارش لما يمثله لنا كرمز فني”.
وأضاف: ” العمل على تشكيل لوحة بالدبابيس يحتاج جهدًا ذهني وتركيز شديد، فكل دبوس يجب أن يكون في المكان المناسب ويؤدي وظيفته الصحيحة، وإلا ذهب جهدك هباءً”.
تنويه : تنشر بالتزامن، بالإتفاق مع البوابة اليمنية للصحافة الإنسانية " أنسم "