صنعاء بين التشيع القسري والحرية المفقودة
الجمعة 13 ديسمبر ,2024 الساعة: 08:54 مساءً

في ظل السيادة الحوثية على صنعاء، لم تعد العاصمة تمثل المدينة التي عرفها الناس بتنوعها الثقافي وثرائها الفكري. لقد تحولت إلى ساحة للانصياع القسري، حيث يُفرض التشيع العقائدي كمعيار ديني سياسي على السكان، ليس فقط بالقوة العسكرية، بل من خلال الإيديولوجيا التي تعكس إصرارا على إعادة تشكيل هوية الشعب اليمني. صنعاء، تلك المدينة التي كانت تحتضن التنوع المذهبي والفكري، أصبحت اليوم أسيرة لثقل التشيع القسري، مما يعكس تحولا عميقا في بنيتها الاجتماعية والنفسية.

على أن فرض التشيع على الناس في صنعاء، ليس مجرد محاولة لتغيير المعتقدات، بل هو محاولة لطمس هوية الشعب اليمني وتاريخهم العريق في العيش المشترك. هذا الفرض الديني يحمل في طياته رغبة في السيطرة على الفكر، وتغيير هوية الفرد من خلال الضغط على معتقداته. في مثل هذا النظام، يصبح الإنسان مجرد رقم في معادلة السلطة، يتم إعادة تشكيله وفقا لرؤية أحادية لا تعرف التعدد ولا تقبل التنوع.

وفي هذا السياق، لا يمكننا فصل ما يحدث في صنعاء عن الأبعاد النفسية للفرد اليمني. فالتشيع القسري لا يقتصر على المعتقدات الدينية فقط، بل يمتد ليشمل النفسية الجماعية التي تصطدم بفقدانها للحريات الأساسية. أصبح المواطن اليمني في صنعاء يعاني من الاغتراب الداخلي، اغتراب عن نفسه، عن معتقداته، وعن تاريخ كان يعبر عن ثراء التنوع. هذا الاغتراب بالتأكيد يخلق حالة من التوتر النفسي العميق، إذ يعيش المواطن في حالة من الخوف المستمر من الملاحقة أو العزل الاجتماعي بسبب انتماءاته المذهبية أو الفكرية.

من منظوري الخاص، يمثل هذا الفرض القسري للتشيع تجسيدا صارخا لفلسفة السلطة التي تسعى لتحويل الفرد إلى كائن مطيع وراضخ يفتقد القدرة على التفكير المستقل. في هذه الحالة، تصبح السلطة الحوثية كالعاصفة التي لا تترك مجالا للإنسان كي يختار مصيره أو معتقداته. وهذا يعكس حالة من القهر التي لا تقتصر فقط على الأبعاد السياسية، بل تتعداها إلى كافة المجالات الإنسانية. فالفرد في هذا النظام يُجبر على التماهي مع الأيديولوجية الحوثية المهيمنة، سواء كان ذلك عبر المؤسسات التعليمية أو عبر وسائل الإعلام أو حتى في الحياة اليومية. يُفقد الفرد سلطته على ذاته، ليصبح مجرد آلة تُدار حسبما تمليه الإرادة السياسية، الطائفية اللاسياسية!

ومن الناحية الحقوقية، يمثل التشيع القسري انتهاكا صارخا للحقوق الأساسية للأفراد. ذلك أن الحق في حرية الفكر والمعتقد، والحق في التعبير عن الذات، والحق في الحياة الكريمة، كلها حقوق تُنتهك بشكل ممنهج في صنعاء تحت حكم الحوثي.ين. لم يعد للمواطن اليمني الحق في أن يكون نفسه، بل أصبح مجبرا على الخضوع لنمط حياة لا يعبر عن هويته الحقيقية. بينما كان الناس في صنعاء يعيشون في تناغم مع مختلف المذاهب والأيديولوجيات، أصبحوا اليوم مقيدين بأغلال الانصياع لسلطة غاشمة تفرض عليهم "دينا" ليس دينهم بالضرورة، وتُسلب منهم القدرة على الاختيار.

والشاهد إن التشيع القسري لا يُحدث فجوة دينية فقط، بل هو نوع من القتل الثقافي. ففي هذا الجو من القسر، لا يعود الفرد قادرا على تجسيد ذاته، ولا يبقى له أي معنى للحياة الحرة المستقلة. النفس البشرية تحتاج إلى بيئة يتم فيها احترام اختيارها، لكن في صنعاء، أصبح هذا الاختيار تحت حكم الحوثيين أمرا محظورا، ما يعمق الشعور بالاغتراب. ولا شك أن هذا الانتهاك للأبعاد النفسية والوجودية للأفراد يعكس حالة من الاستبداد الفكري الذي يطال الوعي الجمعي للمجتمع، ويشكل عقبة أمام تطورهم وازدهارهم.

على ان الطريق نحو تحرير صنعاء من هذا التشيع القسري لا يمر فقط عبر القتال السياسي والعسكري، بل يتطلب أيضا تحرير الوعي الجمعي للأفراد، واستعادة حقوقهم الإنسانية الأساسية. بمعنى أنه يجب أن تُعاد للمواطن اليمني في صنعاء القدرة على اختيار هويته، وأن تُستعاد روح التنوع والقبول بالآخر. ثم إن الحرية الفكرية هي الحلم الذي لا بد أن يظل حيا في قلوب اليمنيين، إذ ان التعددية والاختلاف ليست تهديدا، بل هي ثراء يعزز من قوة المجتمع وتماسكه ما يتطلب ضغطا دوليا متضافرا، وتعليما منهجيا يبرز قيمة التسامح، مع تفعيل الحوار بين مختلف الأطياف اليمنية. ولكن النجاح في ذلك يحتاج إلى تغييرات عميقة في العقلية السياسية والفكرية للحوثيين.

نقلا عن صحفة الكاتب على فيسبوك


Create Account



Log In Your Account