كيف حرمت الإمارات اليمن من أبرز مورد اقتصادي، وهل يشرف التحالف على عملية تجويع وإذلال اليمنيين خدمة للحوثيين وإيران؟
الأحد 05 ديسمبر ,2021 الساعة: 04:20 مساءً
الحرف 28 - تقرير خاص

نحو سبعة أعوام مضت منذ توقفت أكبر المنشآت الاقتصادية الإستراتيجية في اليمن جراء الحرب المستمرة، رغم المطالبات الرسمية والشعبية بتشغيلها لإنقاذ البلاد من الإنهيار الإقتصادي و المجاعة. 

على ضفاف ساحل البحر العربي، تربض منشأة بلحاف وعلى أسوارها ومداخلها متاريس من التراب وفي أبراج الحراسة مسلحون، لم تعد شاحنات النفط تقصد المنشأة منذ أبريل 2015، وحدها العربات العسكرية المصفحة تتجول فيها كنشاط وحيد انتهت اليه أهم المنشآت الاقتصادية اليمنية في بلد يشارف على الموت جوعا.


تقع منشأة بلحاف في مديرية رضوم بمحافظة شبوة جنوب شرقي اليمن، وتعد ثاني أضخم مشروع غازي في الشرق الأوسط كان يصدر الغاز المسال، قبل الحرب عبر الأنبوب الرئيسي الممتد من محافظة مأرب حتى ساحل بحر العرب، وهو مغلق في وجه اليمنيين واقتصادهم رغم استعادته قبل أكثر من 5 سنوات.

قصة بلحاف

قصة توقف منشأة بلحاف عن العمل، تعود إلى منتصف العام 2015، عندما أعلنت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، بعيد اندلاع الحرب في البلاد بين الحكومة المعترف بها دوليا المدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية من جهة، وجماعة الحوثي التي تدعمها إيران من جهة أخرى، حالة القوة القاهرة في مرفأ التصدير ومحطة الإنتاج، والتوقف عن جميع عمليات الإنتاج والتصدير من هذه المنشأة الاستراتيجية التي كانت تديرها شركة توتال الفرنسية.

خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب، ركزت الإمارات، الدولة الثانية في التحالف، بشكل رئيسي على المحافظات اليمنية الساحلية لاسيما ذات الأهمية الجيوسياسية، ودأبت إلى تشكيل كيانات مسلحة تخضع لسيطرتها، وتضع يدها على المنشآت واحدة بعد الأخرى.

مدينة عدن كانت محطتها الأولى، وعقب تحريرها من مليشيات الحوثي  سارعت أبوظبي  لإنشاء قوات الحزام الأمني وسلمتها إدارة السيطرة على المدينة التي شهدت أكبر سلسلة اغتيالات في اليمن منذ عشرة أعوام.

وفعلت الخطوة ذاتها في شبوة، لتضع يدها في منتصف ديسمبر 2017، على منشأة بلحاف الغازية، وتحولها إلى ثكنة عسكرية لقواتها ونقطة لإدارة القوات  التي شكلتها باسم النخبة الشبوانية.


لا يخلو الأمر من مفارقة كانت ظاهرة للعيان منذ بداية الأزمة والحرب، فالثابت أن الإمارات مولت انقلاب الحوثيين وصالح في 2014 وفقا لتقارير دولية، لكنها سرعان ما انضمت إلى تحالف تقوده السعودية زعم في مطلعه أنه جاء لمواجهة التمدد الإيراني، ووقف تدخلاته في اليمن، في وقت ظلت فيه الإمارات تؤدي دور الرئة الوحيدة لإيران وأكبر شريك اقتصادي لها.

وقد نجحت الإمارات في إغلاق رئة رئيسية للاقتصاد اليمني وتجويع اليمنيين في الموانئ والمطارات ومنشآت بلحاف، بينما حافظت على دورها الرئيسي كأهم رئة اقتصادية لإيران.

أحد أكبر 20 مشروع عالمي

وكانت منشأة بلحاف تمثل رافدًا رئيسيًا من روافد دعم الاقتصاد اليمني قبل الحرب، إذ كانت تساهم بما يصل إلى 45٪ من عائدات الضرائب، وهي مشروع فرنسي-كوري، تبلغ حصة اليمن فيه 51 في المئة، تديره شركة توتال الفرنسية، وهي مخصصة لتخزين وتصدير الغاز الطبيعي المسال المنقول من مأرب.

وافتتحت منشأة بلحاف لتصدير الغاز المسال بتكلفة 4.5 مليار دولار عام 2009، وكانت توفر إيرادات تفوق أربع مليارات دولار سنويا، رغم الصفقة الفاسدة التي ابرمها نظام علي عبدالله صالح وبيعه بأقل من ثلثي قيمته في الأسواق العالمية.

أُسست المنشأة وفق أحدث التقنيات والمواصفات العالمية ويعد من ضمن أكبر 20 مشروعا مماثلا على مستوى العالم. ولدى المنشآت أسطول بحري خاص بنقل وتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الخارج ويتكون من أربع ناقلات عملاقة وزوارق القطر والخدمات ورصيف بحري يستوعب الناقلات على أتم الجاهزية، وفق تصريحات لوزير النفط والمعادن الأسبق أمير سالم العيدروس.

وتحتضن المنشأة ميناء يحمل الاسم ذاته، يضم خزانات للغاز الطبيعي المسال بسعة 140 ألف متر مكعب لكل خزان، ورصيفاً بحرياً بطول 680 متراً لتحميل الغاز المسال إلى ناقلات الغاز البحرية.

ثكنة عسكرية وسجن

لم تكتفي الإمارات باستخدام المنشأة ثكنة عسكرية، بل عمدت إلى تحويلها إلى سجن سري ومنطلقًا لتنفيذ هجمات على خطوط النفط بالمحافظة، وإدارة الفوضى وتسليح عصابات التخريب بتواطؤ فرنسي ورضا سعودي.

وقد وجهت اتهامات للحكومة الفرنسية بغض الطرف عن انتهاكات الإمارات في بلحاف؛ مراعاة للمصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين عكست قدرة أبوظبي ليس فقط على ارتكاب أفظع الانتهاكات، بل شراء صمت دولة متحضرة تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان، وتقبل ممارسة الانتهاكات في منشآت تمثل جزء من مصالحها.


وفي هذا السياق، كان نحو 51 برلمانيًا فرنسيًا قد استجوبوا أواخر 2020 وزير الخارجية جان إيف لودريان، حول وجود قاعدة عسكرية ومركز اعتقال تقيمه الإمارات في محيط موقع لإنتاج الغاز تديره شركة "توتال" الفرنسية، وتستعمله أبو ظبي لسجن وتعذيب معارضيها في اليمن.

وسبق أن اعترف مسؤول في التحالف العربي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية، بأن هذه القاعدة تضم "زنزانة احتجاز مؤقت"، يمر من خلالها المشتبه بهم قبل إرسالهم إلى القاعدة الإماراتية في المكلا.

توتر مستمر

تقول السعودية إنها تقود تحالف عربي لدعم اليمن وحكومته الشرعية في مواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وقد صنعت هذه الحرب المدمرة أكبر أزمة إنسانية في العالم في دولة، بحسب وصف الأمم المتحدة مع انهيار اقتصادي تام ووقوف ثلاثة أرباع الشعب على شفا المجاعة.

وبينما كان ينتظر اليمنيون مبادرة التحالف إلى مساعدة الشرعية في إعادة تشغيل منشأة البلاد الحيوية وتدوير عجلة الاقتصاد المنهار لمساعدة اليمنيين في مواجهة أعباء الحرب، ذهبت أطراف هذا الحلف إلى السيطرة على تلك المنشآت والجزر والموانئ والمطارات وعمدت إلى تعطيل كل مقدرات البلاد مع التزام الحكومة الشرعية برئيسها الضعيف الصمت.

دمرت الحرب كل سبل عيش اليمنيين وقادت اقتصاد البلاد الضعيف إلى الانهيار ضمن سياسة مدبرة اعتمدها التحالف كجزء آخر مساعد للإجراءات الحوثية التي عمدت إلى خلق حالة انقسام اقتصادي والتعامل كدولة منفصلة، ضربت كل محاولات الناس للحفاظ على الرمق.

في هذه الأثناء، كانت السعودية قد أعادت هندسة السلطة في المناطق المحررة من خلال تمرير انقلاب آخر على الشرعية في عدن في أغسطس 2019، ثم نصبت حكومة موالية لها وخاضعة بالكامل، وتتهم بالعمل كسكرتارية للسفير السعودي، وظلت تمارس الفرجة على تقويض أهم سلطاتها وتحويلها إلى اراجوز خارج أي مهام.

وعوض الضغط والعمل من أجل استعادة المنشآت الحيوية وتشغيلها كإجراء كفيل بتوفير العملة الصعبة للحفاظ على حيوية في حدها الأدنى للاقتصاد والحفاظ على قيمة العملة المحلية، سلمت نفسها للتحالف وجلست تتسول على بابه للحصول على ودائع ومنح إدارتها بسفه بالغ حتى اتهمها تقرير دولي بالمشاركة في تجارة العملة وغسيل الأموال.

مقابل هذا الدور المنبطح للحكومة، كان محافظ شبوة ورجل الدولة الذي حظي باحترام اليمنيين الواسع، يملأ الفراغات الكبرى التي تركتها الرئاسة والحكومة ليقود المعركة السيادية المطالبة باستعادة منشآت بلحاف، وطالما اعلن جاهزية السلطات هناك لحماية وإعادة تشغيل المنشآت وبذل جهودا كبيرة مع الشركة المشغلة لإعادة النشاط، ووجهت بصلف إماراتي مستود بغطاء سعودي.

وكثف المحافظ محمد صالح بن عديو خلال العام الجاري أنشطته المطالبة بإخلاء منشآت بلحاف من القوات الإماراتية، لكن الأخيرة رغم إعلان انسحابها من اليمن، ترفض الانسحاب من المنشآت.


وبين فترة أخرى يبرز توترا عسكريا بين القوات الحكومية والإماراتيين وفي أكثر من مرة حشدت القوات الحكومية قواتها استعدادا لاقتحام المنشأة؛ لكن وساطات محلية وسعودية تدخلت لتهدئة الوضع.

ويخوض محمد صالح بن عديو، محافظ شبوة، معركة ضخمة تتعارض فيها مصالح التحالف السعودي الإماراتي، ومصالح الدولة اليمنية التي تعتمد على الغاز والنفط بشكل رئيس.

في أكتوبر من عام 2020، أرسلت الإمارات مبعوثًا إلى محافظ شبوة وعرضت عليه كل ما يحتاجه من المال والمساعدة مقابل أن يتوقف عن الحديث عن بلحاف، لكن الرجل يكافح من أجل إخلاء المنشأة من الإماراتيين، وهو ما فصح عنه في حوار له مع صحيفة لوموند الفرنسية.

مهلة سعودية

وبلغ التوتر ذروته بين القوات الحكومية والقوات الإماراتية المتمركزة في منشأة بلحاف في أغسطس الماضي، بعدما فرضت الأولى طوقا أمنيا على المنشأة، الأمر الذي دفع السعودية إلى إرسال وفدا عسكريا إلى شبوة لاحتواء الأمر.


دبر الحليفين طريقة لتمييع الأمر، فطلبت الرياض، مهلة تتراوح بين شهرين إلى 3 أشهر، لإخلاء الإمارات قواتها من منشأة بلحاف، وفي الواقع كانت الإمارات تنسق مع الحوثيين وباتصالات مع إيران لإغراق المشهد بالمزيد من الانهيارات، فساعدت في 
إسقاط مديريات في محافظة البيضاء المحاذية، كمقدمة لإسقاط مديريات في شبوة، وتضييق الخناق على مأرب، ثم أردفت ذلك بانسحاب كبير في الساحل التهامي غربي البلاد.

وعلى طريقة الاستلام والتسليم حصل الحوثيون على مساحة كبيرة بطول مائة كيلو متر من سواحل الحديدة بدون قتال، بعد تفاهمات بين أبوظبي و طهران، افصح عنها مستشارو محمد بن زايد بصورة علنية.

ورغم مرور ثلاثة أشهر هي عمر المهلة السعودية، فإن الإمارات لم تنسحب من المنشآت وترفض السماح بتشغيلها، دون أن تحرك الرياض ساكنا، وهو مشهد يكرر الدور السعودي في الإشراف على انقلاب أغسطس ومن ثم اتفاق الرياض الذي لم تفي فيه الرياض بالتزاماتها كراعية للاتفاق ومتابعة تنفيذه كما يقول مراقبون، وسط صمت وتواطؤ حكومي مخزي بحسب ناشطين يمنيين.

وقال مصدر مطلع في السلطة المحلية بشبوة لـ"الحرف28"، إن مهلة الوفد السعودي انقضت دون أن يتم إخلاء المنشأة، ونفى صحة ما وصفها بـ"المزاعم الإعلامية" التي تحدثت مطلع نوفمبر الماضي عن انسحاب الإمارات من بلحاف.

وأضاف أن معسكر العلم هو ما تم إخلائه فقط، وجاء ذلك بالتزامن مع هجوم واسع للحوثيين على المحافظة وهو ما يثير علامة استفهام.

جهل حكومي

وبينما يخوض بن عديو معركة صعبة من أجل استعادة أكبر المؤسسات الاستثمارية في البلاد، يكاد دور الحكومة غائبًا، وغير مكترث رغم أن إعادة تشغيل المنشآت سيمكن الحكومة من الحصول على عائدات كبيرة لا تقل عن 4 مليار دولار سنويا، بدلا من تسول المساعدات.

وفي أحدث تصريح لوزير الخارجية، أحمد عوض بن مبارك، حول منشأة بلحاف، نفى علمه بوجود مفاوضات بين الحكومة والقوات الإماراتية بشأن مغادرة بلحاف.

وقال في حوار مع قناة "الجزيرة" القطرية، في الثالث من ديسمبر الجاري: "أنا لا أعلم بشأن وجود مفاوضات بين الحكومة والإمارات على الخروج من شبوة.

وأضاف "إذا كان هناك حوارات بين السلطة المحلية والقوات الإماراتية بشأن إعادة ترتيبها هذه مسألة أنا لست طرفا فيها".

تكشف تصريحات وزير الخارجية عن افتقاد الحكومة اليمنية، للرؤية في مواجهة التحديات وإسقاط الملف الاقتصادي من المواجهة مع الحوثيين، رغم حالة المجاعة التي تعصف بالبلاد.

 يقول الوزير إن الحكومة تعطي الأولوية القصوى لتوحيد جهود التحالف لمواجهة الحوثيين، ما يعني أن أولوية الحكومة هي إرضاء سياسة التحالف وأطماعه، التي قادت على مدى فترة الحرب إلى تقوية الحوثيين ومن خلفهم إيران وخدمتهم.

ويقول ناشطون إن سيطرة التحالف على منشآت البلاد وحرمان اليمنيين من مواردهم، عززت خطاب الحوثي الدعائي وأضعفت الشرعية وقدمت التحالف كقوة احتلال فعلية.

ومنذ أشهر شهدت قيمة العملة المحلية انهيارا دراماتيكيا، كانت أسوأ فصوله حين فقدت قرابة نصف قيمتها خلال شهرين، بالتزامن مع تفاهمات إماراتية إيرانية، وقد تصاعدت حدة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للناس ووصلت إلى مستوى غير مسبوق وسط اتهامات للحوثيين بسرقة اليمنيين وللشرعية بالهوان، وحكومة معين بالتواطؤ، وللتحالف بتعمد تجويع اليمنيين وتمزيق بلادهم وإذلالهم.

ومع كل يوم تتراجع فيه قيمة الريال اليمني أمام العملات الصعبة، تتزايد الدعوات الشعبية المطالبة للحكومة الشرعية بتفعيل مناطق النفط والغاز والموانئ لإنقاذ الاقتصاد ومنع مجاعة محتملة.


وعوض التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه خرج رئيس الوزراء المكروه شعبيا معين عبد الملك ليقول بأن 
الأوضاع ستسوء أكثر وليس لديه ما يفعله، في وضع بدا فيه الرجل يلعب دور أراجوز بلا حيلة لا يمتلك حتى قرار الاحتجاج بالاستقالة ورفض لعب هذا الدور المذل والمخزي.

وتعد صادرات اليمن من النفط والغاز المصدر الأول لدخل الدولة حيث كانت تمول 70٪ من ميزانية الدولة بحسب تقارير رسمية.

ويبلغ إنتاج اليمن من النفط حاليا اقل من60 الف برميل يوميا تورد إلى حساب خاص في بنك سعودي لا يعرف بالضبط كيف يتم التصرف فيه من قبل الحكومة والرئاسة، بينما كانت البلاد تنتج ما بين 150 - 180 الف برميل قبل الحرب، وقبل العام 2010 كان الإنتاج يتجاوز 280 الف برميل يوميا وفقا لتقارير رسمية، وكانت منشآت بلحاف تساهم في ما لا يقل عن 50 % من عائدات العملة الصعبة للبلاد.

وبعد خمس سنوات من التحرير باتت خارج سيطرة الحكومة الشرعية وتستخدم لتعذيب اليمنيين كسجون سرية، والتعذيب الآقتصادي بحرمانهم من أهم مواردهم بينما يواجهون شبح الموت جوعا.

فهل تشرف الرياض وأبوظبي على سياسة تجويع اليمنيين وإذلالهم خدمة للحوثيين وإيران؟

المؤكد أن سياسة التحالف على الأرض تؤكد أن مهمته هي التنكيل باليمنيين وإشاعة الخراب والفوضى، وأنه يمثل صورة أخرى لوجه إيران ، وأن المستفيد الوحيد من سياسته هو مليشيا الحوثي  التي تتغذى من السياسات التخريبية للتحالف ضمن عملية تخادم هدفها تدمير البلاد وتمزيقها وإطالة أمد الحرب والصراع كما يقول يمنيون كثر.


Create Account



Log In Your Account