كيف حولت الرياض وأبوظبي مشاورات "السلام" إلى كأس سم للتخلص من الشرعية..(تقرير خاص)
الخميس 07 أبريل ,2022 الساعة: 03:09 صباحاً
الحرف 28 - تقرير خاص

منذ إطلاق ما سمي بمشاورات الرياض في العاصمة السعودية برعاية مجلس التعاون الخليجي، ظل الحديث عموميا عن " المؤتمر الطارئ" رغم أنه أطلق بزعم بحث عملية سلام شاملة ووجهت الدعوة للحوثيين. 

كان في حكم المؤكد بالنسبة للمجلس الخليجي أن الحوثيين لن يشاركوا في المشاورات وربما كانوا يدركون تماما  أن مشاورات حقيقية  تجري بين الرياض والحوثيين في مسقط لبحث هدنة وترتيبات سلام تلبي مطالب الحوثيين وإيران، فوجهت الرياض لنفسها دعوة عبر المجلس لإيقاف إطلاق النار، وردت بالإيجاب عبر الناطق باسم التحالف على الفور الذي رحب" بالمسعى".

ظهر تجاوب التحالف مع الدعوة لهدنة مع الحوثيين كما لو كان استجابة لدعوة المجلس الخليجي، وبالغ التحالف في مسرحة المشهد  بتبرير القبول بالهدنة وايقاف اطلاق النار بزعم مساعيه لإنجاح المشاورات اليمنية اليمنية التي رفضها الحوثي من أول لحظة. 

وبينما كانت السعودية " تتشاور " مع الحوثي في مسقط بتمثيل رفيع من خلال نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان، وتبرم معه اتفاقا بوساطة عمانية وتفاهمات مسبقة مع إيران، كانت الدعوة الخليجية تصنع مسرحا مختلفا.



 استعارت الدعوة الخليجية لباسا مخادعا باسم السلام، لكنه بدا عنوانا ساذجا افتقد للحبكة، سيما أن الطرف الآخر في الحرب وهم الحوثيون ومن خلفهم إيران يرفضون المشاركة في الرياض التي يعتبرونها جزء من الصراع وطرفا رئيسا في الحرب. 

ثم لازمت الحيرة حتى اعضاء المشاورات المدعويين، انفسهم، وقد تقصى الحرف 28 عديد اعضاء في مؤتمر الرياض عن المهمة التي جرى استدعاءهم لأجلها وأفاد جميعهم انهم يجهلونها. 

وردد  الكثير منهم  عناوين عامة كانت الامانة العامة الخليجية قد تحدثت عنها كمحاور للمشاورات. 

بحسب ترتيب المحاور فقد وضع المجلس الخليجي المحور العسكري والامني على رأس المشاورات ثم ياتي بعده السياسي والإقتصادي والإنساني كعناوين عامة لا أحد يدري على وجه التحديد ما الهدف من إدراجها رغم وجود مخرجات حوار وطني متفق عليها ونسخة سابقة من مؤتمر الرياض مؤيدة بقرارات دولية.

وصبغت مشاورات المؤتمر غمغمة كبيرة إذ تحول الى ما يشبه أحاديث عامة وفضفاضة، مع ذلك فقد غاب الجانب العسكري والأمني باعتباره أهم معضلات الحرب المتطاولة منذ 7 سنوات وسط سياسات ممنهجة للتحالف لإضعاف الجيش والسلطة الشرعية،  وبرز في اليوم قبل  الأخير الشق السياسي، ليميط اللثام عن الهدف الرئيس الذي تسعى السعودية والإمارات باستخدام اللافتة الخليجية لتمريره.

كانت معظم التحليلات قبل المؤتمر تذهب باتجاه ترجيح استخدام الرياض وابوظبي للمشاورات لاستكمال ما يسميه إعلامهما منذ سنوات إعادة " هيكلة الشرعية" بينما كان الإعلام السعودي والإماراتي يتحدثان عن مساعي سلام لا اكثر، ثم خرج سفير مجلس التعاون الخليجي ليؤكد على نحو قاطع بأن المشاورات لا تستهدف الشرعية اليمنية بل تسعى لتعزيزها. 

لم يدم هذا النفي طويلا حتى تقدم المجلس الإنتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، بمقترح يطالب فيه بتعيين نائبين لرئيس الجمهورية أحدهما من الجنوب وآخر شمالي يمثل أطرافا شمالية فاعلة، في إشارة الى مكون مايسمى المقاومة الوطنية المدعوم اماراتيا بقيادة طارق صالح. 

وقد عكست هذه المطالب رغبة إماراتية مع تفاهم سعودي لتمكين اذرعها في الشمال والجنوب من آخر ما تبقى من هيكل الشرعية المتآكل ورغبة في الإطاحة بنائب الرئيس الحالي علي محسن وإنهاء خدمات هادي.

أفادت مصادر خاصة الحرف 28  بأن مكون طارق صالح أيد مطالب الإنتقالي وطالب هو بصورة صريحة بإزاحة محسن من موقع نائب الرئيس، لكن هذه المطالب فجرت المناقشات داخل اللجنة السياسية التي يستحوذ عليها مكونات مدعومة من التحالف والإمارات بخلافات حادة وكان ابرز الرافضين ممثلو حزب الإصلاح. 

بحسب المصادر فإن هناك عديد مقترحات بعضها تتحدث عن مجلس رئاسي يتكون من ستة اشخاص، وأخرى تطالب بتعيين نائبين عن الجنوب والشمال يقوم على استبعاد محسن، بينما تسعى بعض المكونات الى طرح مقترح بنقل صلاحيات الرئيس هادي لمصلحة رئيس الوزراء معين عبدالملك، الذي يتهم بالعمل كدمية بيد السفير السعودي محمد آل جابر. 

ووفقا لمصادر الحرف28 فإن الرئيس هادي مازال يرفض جميع المقترحات مع شعور عميق بأن التحالف يسعى لإزاحته فعليا ونقل صلاحياته لآخرين، وتقول المصادر إن هادي   ارسل إشارات برفض المقترحات متحججا بتعارضها مع الدستور اليمني. 

ويوم أمس الأول كان هادي الذي يغيب عن المشهد لأشهر كاملة دون إكتراث لخطورة الاوضاع في البلد،  يلقي خطابا في اجتماع بالرياض، هو الاول من نوعه منذ سنوات ضم قيادات الدولة المدنية والعسكرية حمل عديد رسائل. 

في ظهوره الأخير بدا هادي الذي قيل مرارا انه يعاني صحيا، متعافيا وحيويا يستقبل جموع المشاركين.

ضمنيا رفض خطاب هادي أي مساعي للالتفاف على المرجعيات الثلاثة : مخرجات الحوار الوطني، المبادرة الخليجية، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216 ، معتبرا ما يصدر عن مشاورات الرياض بمثابة " توصيات" ابدى استعداده للتعامل معها، رغم أنه وضع ما يشبه الشروط لقبولها. 

طوال سنوات الحرب، سلم هادي مقاليد الامور للتحالف الذي اندفع خلف اجندته الخاصة، حتى ان احزابا يمنية في مأرب اتهمت، قبل اشهر، التحالف بالتلاعب بمسار الحرب والشرعية بالفساد كأقوى تصريح يصدر عن نخبة سياسية يمنية. 

كانت السعودية عندما اطلقت ما سمتها عاصفة الحزم عشية 26 مارس 2015  تؤكد ان العملية جاءت لدعم الشرعية اليمنية في مواجهة الانقلاب الحوثي متحالفا مع صالح. 

وقد حرصت طوال فترة الحرب على استخدام هذه اللافتة بينما كانت تمارس مع شريكتها الامارات على الأرض سياسة ممنهجة لانشاء المليشيات والمكونات الموالية لها وزودتها بمختلف الأسلحة  على حساب الجيش الوطني الخاضع لوزارة الدفاع. 

كانت المفارقات لا تتوقف، فبينما تخوض العاصمتان الحرب بزعم إعادة الشرعية الى صنعاء وانهاء انقلاب الحوثيين، منع التحالف طائرة الرئيس من العودة الى عاصمته المؤقتة عدن، وانشأ كيانا انفصاليا بمسمى المجلس الانتقالي الجنوبي مدعوما بمختلف انواع الأسلحة. 

وفي اغسطس 2019، أشرف على انقلاب آخر في عدن،  تجلت أسوأ فصوله في قصف الجيش الوطني بطائرات الإمارات وارتكاب مجزرة رهيبة راح ضحيتها قرابة 300 ضابط وجندي. 

وفيما كانت بعض المحافظات اليمنية كأرخبيل سقطرى الاستراتيجي على المحيط الهادي  ومحافظة المهرة شرقي البلاد يتمتعان بالهدوء ويبتعدان عن ساحات المواجهة مع مليشيا الحوثي الموالية لإيران بمئات الأميال، كان التحالف ينقل الفوضى المسلحة الى هذه المناطق.

في هذه المناطق اشرف التحالف بقيادة السعودية والإمارات على انشاء التشكيلات العسكرية خارج سيطرة الحكومة الشرعية وقوض اي وجود حكومي هناك وقد انتهت الاوضاع في جزيرة سقطرى مثلا إلى سيطرة إماراتية كاملة بعد طرد المحافظ المعين من الشرعية والقوات الحكومية منها بتواطوء القوات السعودية التي حظرت بزعم تهدئة التوتر. 

استراتيجية التفتيت والإستنزاف .. وبناء المليشيات

بحسب مراقبين لسياسة التحالف في اليمن فقد اعتمد الإئتلاف الخليجي بقيادة الثنائي السعودية والامارات استراتيجية طويلة النفس تقوم على فكرة تفتيت الشرعية وإضعافها في المحافظات المحررة وملشنة المحافظات البعيدة عن المعارك، واستنزاف القوات الحكومية في خطوط المواجهة. 

بالتزامن مع ذلك  وظفت العاصمتان خضوع الشرعية وسلبية الرئيس والنخب السياسية للتخلص من رجال الدولة الأقوياء الذين كانت أصواتهم قوية في مواجهة سياسة التحالف ونقدها علنا كما هو الأمر بالنسبة لرئيس الحكومة السابق احمد عبيد بن دغر ولاحقا الوزيرين أحمد الميسري وصالح الجبواني، وعبدالعزيز جباري قبل ان تضع الرياض عينها على محافظ شبوة محمد صالح بن عديو لتطيح به بقرار من الرئيس هادي.

ميدانيا عمل التحالف على السماح بتسلح محدود لتشكيلات الجيش الوطني تتيح له خوض حرب استنزاف دفاعية بحسب خبراء عسكريين، بهدف التخلص من قياداته التي تشكلت في الميدان طيلة فترة الحرب واكتسبت مراسا وخبرة قتالية عالية. 

وفي الجهة المقابلة كان التحالف يعمد إلى تعزيز التشكيلات التي لا تخضع لوزارة الدفاع، بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها تلك التي تمنح للجيوش النظامية بشروط. 

وبرز ذلك بوضوح في دعم تشكيلات الانتقالي التي قاتلت للسيطرة على عدن بمدرعات التحالف في انقلاب اغسطس، مدعومة بغطاء جوي، كما حدث في مذبحة العلم التي استهدفت الجيش الوطني. 

أما في الساحل الغربي  فقد عمد  التحالف الى بناء تشكيلات مسلحة أخرى معززة بمختلف أنواع العتاد استعدادا  لمهمة أخرى مشابهة في الشمال تحت قيادة طارق صالح الذي تقول المعلومات إن الرياض هي من طلب منه إعلان ذراع سياسي للتشكيل المسلح الذي يقوده. 

يقول بعض المراقبين إن التحالف شرع عمليا في إعادة صياغة الشرعية في الجانب العسكري او ما يسمى بإعادة الهيكلة بإنقلاب اغسطس2019  في عدن  وتمكين تشكيلات الإنتقالي من السيطرة على معظم  المحافظات الجنوبية. 

أما سياسيا فقد بدأ بالإطاحة بأحمد عبيد بن دغر من رئاسة الوزراء بعد ارتفاع صوته حيال سياسة الإمارات في ارخبيل سقطرى وعدن،  ثم توالت حبات المسبحة عبر اتفاق الرياض الذي صممته السعودية ومررت شقه السياسي للاطاحة باحمد الميسري وصالح الجبواني وشرعنة سيطرة الانتقالي، ثم نسيت الجزء الأهم ممثلا بالشق العسكري. 

طوال هذه الفترة كان الرئيس هادي ونائبه يلتزمان الصمت ويلبيان رغبة التحالف وإملاءاته بالإطاحة بأفضل الاصوات اليمنية التي مثلت حجر عثرة في وجه سياسة الرياض وابوظبي، لكنهما يقفان اليوم في مواجهة رغبة سعودية إماراتية في الإطاحة بهما والتخلص منهما بزعم " توحيد الصف". 

كل العناوين الفاقعة التي استخدمها التجمع الخليجي لمؤتمر الرياض غابت بصورة شبه تامة باستثناء ثرثرات فارغة لرئيس الوزراء" السعودي" معين، فرغم المجاعة والفقر وتحول معظم الشعب اليمني الى طالبي مساعدات بسبب الحرب المدمرة التي خاضتها الرياض وابوظبي بزعم انهاء ذراع إيران، فقد توارى الهم الاقتصادي وانتهت وعود الوديعة، وبدا أن نادي الأغنياء الخليجي يعمل حاليا كلافتة لاعادة صياغة مصالح الدولتين الخليجيتين في اليمن. 

وسط الحرب، وضع التحالف يده على أهم الموارد الحيوية للبلاد وموانئه وجزره ضمن سياسة ممنهجة للإنهاك الاقتصادي والعسكري، ومنع استغلالها لمواجهة كلفة الحرب، وتمويل استيراد الأسلحة للجيش.

ورغم رفض التحالف وعلى وجه الخصوص الإمارات تسليم منشآت بلحاف الغازية الإستراتيجية،طيلة سنوات الحرب، فقد تولى رئيس الوزراء المعين بضغط سعودي معين عبدالملك الدفاع عن التحالف نافيا صحة المعلومات التي تتحدث عن رفض استئناف تصدير الغاز طيلة الفترة الماضية. 

وكان عبدالملك يتحدث للإعلاميين في مشاورات الرياض أمس عن استراتيجية حكومته المدعومة من التحالف، لل"تعافي الاقتصادي مستعرضا " نجاحاته ".

من مؤتمر للسلام .. الى  مؤتمر لإعادة تصميم الشرعية 

وكما استخدمت الرياض وابوظبي منذ مطلع الحرب لافتة دعم الشرعية وانهاء الانقلاب لتحقيق اجندة خاصة بهما في اليمن والإيغال بالشراكة مع الحوثي في تدميره، هاهم يعيدون استخدام عنوانا خادعا، في مشاورات يقولون انها اعدت خصيصا لبحث سبل السلام،  لكنهم يبحثون كيف يمكن ترسيخ مكاسب الدولتين في الارض اليمنية،  وتحت الطاولة يبرمون اتفاق "سلام"  مع ايران والحوثيين، ويستعدون لترسيخ النفوذ الإيراني، بعد ٨ سنوات من التلاعب بمسار الحرب وإهدار حياة اليمنيين في الداخل والخارج. 

مع ذلك فهناك من يرى أن ما تفعله الدولتان  الأكثر هيمنة على الكيان الخليجي، هو محاولة لململة شتات اليمنيين في الخندق المواجه للحوثي وان بشارة قادمة تلمع خلف كثبان الرياض.


لكن تجارب السنوات المنصرمة من الحرب تقول :  لم يكن التحالف حريصا على إنهاء الانقلاب وهزيمة مليشيا الحوثي واستعادة صنعاء، فقد كانت القوات على مشارف العاصمة وقصفت مرارا بالطائرات وهي تنتظر الاوامر للتحرك.

اما معطيات مشاورات الرياض فتقول: إن التحالف بصدد تجريع الشرعية المسترخية في الرياض كأس السم الأخير، مثلما تفيد  المعلومات المتسربة من كواليس المباحثات النشطة مع طهران والحوثيين، أن العاصمتان تضعان اللمسات لمشهد الحرب الأخير  على نحو يجعل من إيران شريكا راسخا في اليمن. 

ويقول كثيرون : لعله كأس السم الذي سيندلق في خريطة الخليج خلال السنوات القليلة القادمة، ك"شر " لابد منه. 
 


Create Account



Log In Your Account