الثأر الـسياسي.. وَهْمُ الإنتصار وحقيقة التغالب في اليمن
الأحد 21 أُغسطس ,2022 الساعة: 07:36 مساءً

اليمنيون لن يعبروا « المضيق » طالما أن حاضر الأجيال المتعاقبة محكوم بفكرة الثأر السياسي التي يتم تناقلها وجدانياً في ذهنية الحكام والمكونات والنخب السياسية المتغالبة ، مثلها مثل تناقل الجينات الوراثية بين الأبناء والأحفاد، وهكذا دواليك هو تاريخنا السياسي الحديث والمعاصر مع لغة الثأر السياسي التي نتعاطى معها في كل منعطف تاريخي تجاه بعضنا ، الأمر الذي يعني اغتيال الفرص التاريخية السانحة أمام فكرة التغيير السياسي والإجتماعي وحتى الثقافي والإقتصادي في بلاد اليمن.

يخطئون كثيراً عندما يقف جميع هؤلاء وأولئك من ={ المتعاركين} في كل منعطف تاريخي على نشوة النصر والاستقوى تجاه بعضهم دون إنتصار حقيقي للمستقبل الذي يجب أن يكون خالي من تعارك الثأر السياسي في اليمن ، ما يعني أن جميع المتعاركين في هكذا حال يؤسسون دائماً معادلة صراع للغالب والمغلوب بدون وعي في المآلات الكارثية على مستقبل الوطن والدولة ، وهي معادلة قابلة لتبادل المواقع والتموضعات الظرفية في المدى المنظور ، فمن يكون اليوم غالباً بقوة السلاح يصبح مغلوب بنفس السلاح في القريب العاجل والعكس هو القادم في كل الأحوال.

بدون شك لا منتصر تاريخي بين هؤلاء، المتعاركين ، ولن يكون هناك مؤهل لذلك في مضمار الثأر السياسي في اليمن ، أما من يفقد من بين هؤلاء المتعاركين شروط التعارك والحضور في إحدى الجولات ، يجد نفسه بقصد أو بدون قصد واقفاً على ربوة التشفي تجاه ما يجري في أحسن الأحوال ، وفي اسوأ الأحوال ينتظر لحظة السقوط لينال شيء من تركة المهزوم الآخر ، ثم يجد نفسه بعد ذلك في حسابات كانت مجرد أضغاث أحلام.

عندما نجد أنفسنا كيمنيين ={ أحزاب ونخب سياسية ومكونات إجتماعية وحتى مواطنين } نتذوق مرارة الهزائم المتداولة في حاضرنا بشكل «حلزوني» يضع الجميع في حلقة مفرغة دون انتصار تاريخي في معركة المستقبل، فذلك يعني أن الوطن هو المهزوم على الدوام بفعلنا العبثي ، وأن واقع حالنا مع فكرة الثأر السياسي هو انعكاس طبيعي لهذه الحقيقة التاريخية التي يتهرب الجميع حتى اليوم من الوقوف على تفاصيلها ومآلاتها الكارثية في اليمن .

أن نعيش ( جميعاً ) حاضرنا في مناخ الثأر السياسي تجاه البعض، فذلك لا يعني أننا غير مؤهلين أخلاقيا وثقافياً في خوض معركة التقدم نحو المستقبل الذي يجب أن يكون قادراً على استيعاب متطلبات الإنسان اليمني في القرن الواحد والعشرين فحسب، بل يعني أكثر من ذلك أننا نعيش وهم الانتصارات السياسية والعسكرية تجاه بعضنا البعض، في بلاد هي أحوج ما تكون اليوم إلى تحقيق إنتصار تاريخي وسياسي يجعل منها وطن ودولة للجميع .

على سبيل المثال فقط، جدلية التغالب اللامتناهية في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر ، جعلت الغالب يعيش حالة مؤقته من الإنتصار المزيف تجاه المغلوب في معادلة الصراع، وهو ما جعل هذا الأخير يبحث دائماً عن تحقيق مسألة الثأر السياسي بأي ثمن كان، كما تجلى ذلك بعد ثورة 2011 م، بحيث أصبحت سيادة الدولة والسيادة الوطنية هي الثمن المدفوع في سبيل تحقيق مسألة الثأر السياسي، هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية فإن جدلية التغالب المستمرة تؤكد في كل الأحوال عمق إشكالية اليمنيين، بخصوص عدم القبول بالآخر حتى وإن كان هذا الآخر حليف سياسي للأنا في بعض المحطات السياسية، وهذه الإشكالية الثقافية مع الآخر لا تفسر فشل إستمرار التحالفات السياسية فحسب ={ كما هو حال تلاشي اللقاء المشترك بعد أن قدم تجربه ملفته في مواجهة نظام صالح } بل تفسر عدم قدرة هذه التحالفات الكبيرة على أن تتحول إلى كتلة تاريخية تنتصر دائماً لفكرة التغيير الوطني رغم حاجة كل اليمنيين لذلك.

الإنتصار لفكرة التغيير والتقدم نحو مستقبل الدولة والوطن في اليمن، هو الإنتصار الذي سوف يجعل اليمنيين دون استثناء يشعرون بلذة الإنتصار الحقيقي دون أن يكون فيهم من هو غالب أو مغلوب، ما يعني أن حاضر الأجيال مع هكذا إنتصار لمستقبلهم سوف يكون خالي من أي تعارك للثأر السياسي الذي جعل اليمنيين يتذوقون مرارة الهزائم المتداولة تجاه بعضهم عبر التاريخ.


Create Account



Log In Your Account