أُسْطُوْرَةُ الخَضِرِ .. من أبينَ إلى الشامِ والعِراقِ.
الخميس 06 أبريل ,2023 الساعة: 09:11 مساءً


   "هذا سيدُنا الخضرُ يمرُّ بالمكانِ": يقولُها بعضُ أهلِ العراقِ للرائحةِ الزكيّةِ التي لا يُعرف مصدرُها!
إذا ناديتهُ يحضرُ ولا تراه!... بل يأكلُ من المائدة الدّسمة التي يُعدّها له بعضُ الشيعة ويشرب؛ قاضياً للحوائج. 
  " يا سيدى الخضر الأخضر اسقِ زرعنا الأخضر"؛ يتردد هذا التوسُّل في بعض بلاد الشام إلى يومنا!
وفي أبينَ من أرضِ اليمن يُقالُ للحقلِ النَّضِر المثمر: " فيها الخضر بن عباس" ما شاء الله!
  مقاماته في البلاد العربية تجاوزت المئة ... الخضر الغامض أسطورة أم حقيقة؟
............
         أبينُ بلدُ "الظُلمِ الشديدِ" هكذا حدثتنا المرويات الشفاهية من أزمنتها المسحورةِ تطلّ علينا شخصيّةُ (الخضرِ) بين الحقيقةِ والأسطورة، تيمُّنًا وبركةً اعتادَ الناس على التسمِّي بــ(الخضر) حتى أوشك على الوجوب في كلّ بيتٍ وكأنّ (الخضرَ) تميمة أبينيّة حصريّة، فلماذا يزدهرُ هذا الاسم هناك؟ ويشيع دون سواها من الأقاليم وحكاياته ؟ 

       قبلُ وأنا ادرّس في ثانوية النهضة في الشيخ عثمان- وأغلب طلابها من حي الممدارة- ومن واقع قوائم الطلاب كان الاسم الأكثرَ تكراراً ( الخضر) ؛ إن لم يُسَمَّ به الطالب فهو حاضر في سلسلة نسبه؟! يبدو التقليد أضيق من المفهوم الاجتماعي لهذه الكلمة.   

     سيكون (الخضر) وحكاياته الشعبية بوصفه مسمًى ذائعاً بطاقةَ العبور إلى تفكيك البُنَى التحتية الاجتماعية، لأن التقاليد "ترتبط في مجملها ببعد ما ورائي" يجسِّد الكمَّ الذي تتراكم فوقه السِّمات الحضارية التاريخية؛ فيفرز أنماطاً سلوكية و أنساقاً.

         "ألا يا طير يالخضر وين بلقاك الليلة، أنا ما باك توعدني وتنسى وعدي الليلة"

    ظاهرة (الخضر الأبْيَنِيَّة) بين الحقيقة والخرافة، التصوُّف والإيمان ، الفقر والجوع ... و"الظلم الشديد" يأتي (الخضر) أسطورة لا تحدِّدها المصادر الشعبية والسَّرديّات العربية بدقَّة، مهمتها أن تحمي البشر من السرقة والغرق والنار ومن الطغاة والشياطين ... الهواءُ والبحرُ وأصقاع الأرض هي مجال نفوذه، هو خليفة الله في البحر ووكيله على الأرض، يدلُّ الناس في المتاهات، يمكنه أن يختفي وأن يحلِّق في الهواء، يستشعر الماء تحت الأرض ، ويتكلَّم لغات جميع البلدان، إنما يختفي دوماً قبل أن يُعرف دوما فيقال:" ذ/هب عليهم/نا الخضر". للتحسُّر والنّدم، وأحياناً للسخرية.
   
       لم يذكر القرآن الكريم اسم الخضر صراحة خلافاً للحديث، التي تذكره المصادر في مختلف تفسيرات سورة "الكهف" ويجعل منه العبد الصالح الذي يرافق موسى في رحلة البحر، ويتخذ من خرق السفينة وقتل الطفل وبناء الجدار أفعالاً لا يفسِّرها الظاهر بقدر ما يفسِّرها الباطن والتأويل، اللذان يحيلان إلى الحكمة الكامنة قبالة ما تراه العين وتنخدع به الحواس 

ويتمحور حضور الخضر في النّص القرآني والسُّنّة النبوية في هذه المحاور:

(قصة موسى والخضر في القرآن الكريم )
1- سفر موسى للقاء الخضر. 
2- تسمية الخضر. 
3- خرق الخضر للسفينة
4- الغلام الذي قتله الخضر 
5- إقامة الخضر للجدار.
فهو في القرآن الكريم رمز للحكمة، بل (القدر) فالقصة تتعلق بعلم "ليس هو علمنا القائم على الأسباب، و ليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي، إنما نحن في هذه القصة أمام علم من طبيعة أخرى غامضة أشدَّ الغموض. 
علم القدر الأعلى علم أُسْدِلَتْ عليه الأستار الكثيفة".

    في الأدبيات الإسلامية يقف الفقهاء منه مواقف مختلفة ومتباينة، في ماضيهم وحاضرهم، سنعرض لآرائهم في الورقة القادمة، بعدها نحاول تحليل الخطاب الأسطوري وتفكيكه في مرويات (الخضر) وتمثيلاته بكائنات أسطورية وآلهات قديمة (تموز) (بعل) وتفكيك ارتباطه بشخصيات وأحداث عجائبية. 
 
         " الأساطير بداية هزائمنا والخرافات"


Create Account



Log In Your Account