الخطاب (الآلي) غباء وجمود ودعم إمامي
الخميس 20 يوليو ,2023 الساعة: 08:25 صباحاً

في مثل هذه الأيام منذ عامين، كنت في مدينة تعز أتجول في شوارعها وأرقب بعين حزينة وقلب مكلوم كل ذلك الدمار الذي حل بها، بفعل الإجرام الحوثي الذي أفرغ حقد التاريخ كله على المدينة قتلاً ودماراً وتشريداً وحصاراً. 
كان اليوم يوم جمعة، وفي نهاية شهر ذي الحجة، إذ داهمني الوقت الذي انزوى على دقائق معدودة لصلاة الجمعة، بينما كان صديقي الذي يرافقني يحثني على الصلاة في جامع اعتاد حضوره لسماع خطبة الجمعة، باعتباره خطيباً مفوهاً في نظره. 
كان الخطيب يحاول تقليد صوت الشيخ عبدالحميد كشك -رحمه الله- بتكلف شديد، وكذلك تعدد مواضيع الخطبة لإطالتها؛ فالخطاب عند أمثاله يقاس بالذراع لا بدقة الموضوع، وقوة الكلمة، واقتناص الصورة البلاغية في الإيجاز. 
كان خيالي يسرح بعيداً: لو أن خطباء وخطابات الجمعة تتركز حول التوعية الشاملة بالنصوص والأحداث الصحيحة التي تدحض الفكر السلالي الخبيث الذي صب جام غضبه على هذه المدينة المسالمة، والتي تعتبر عمق السنة في اليمن عبر التاريخ. 
لم يقطع ذلك الخيال إلا صدمة الخطاب وزمجرة الخطيب حول فضائل الحسين وجرائم يزيد، ومقتل الحسين عطشاً، وووو...إلخ، في تتابع عجيب لروايات الشيعة المغلوطة المدلسة التي استحلت دماء المسلمين في كل زمان ومكان، والشاهد الحي المدينة التي يعيش فيها ويشاهد بأم العين كيف تذبح هذه المدينة والقذائف تتوالى عليها من كل حدب وصوب، ويعيش دون ماء ولا كهرباء فيها، وأزمة وقود خانقة، وأزمة غذائية وعلاجية دون حدود. تعز التي تذبح من الوريد إلى الوريد تحت هذا الفكر الخبيث!
الحقيقة كانت خطبته تلك الصدمة الكهربائية التي جعلتني أنتفض وسط الخطبة مقاطعاً إياه، مع أنه من آداب الخطبة عدم الكلام (مَن مسَّ الحصى فقد لغا، ومَن لغا فلا جمعةَ له) كما في الحديث!
لكن حساسية الموضوع عندي كانت أكبر من اللغو؛ ففي نظري سيترتب على مثل هذه الخطابات جرائم كبيرة، فهي كمن يصب الزيت على النار، في زمن خطأ، وفي المكان الخطأ. 
التفت كل من في المسجد مشرئبين بأعناقهم نحوي مهدئين حتى تكتمل الخطبة. صمتُّ على مضض، وقعدت وكأني على جمر، وكانت تحدثني نفسي بالخروج من المسجد لولا أني فضلت إلقاء خطبة تعقيبية توضيحة موجزة بعد الصلاة. 
قلت للحاضرين: الخطيب اعتمد على أقاويل وروايات تاريخية غير صحيحة، ومن تدليس الشيعة أنفسهم، وليس كل من حفظ نصاً من كتاب اعتبره حقيقة، ودون تمحيص، وأن مثل هذه الخطابات في المكان والزمن الخاطئين؛ فتعز تذبح من الوريد إلى الوريد باسم دم الحسين، والحوثي متعمداً ارتكاب كل الجرائم في تعز، وكانت بالصدفة هناك أصوات قليلة لقذائف متفجرة حول المدينة يسمع انفجارها للجميع عززت من التعقيب. 
واستمر التوضيح لأشياء أخرى كثيرة، وكنت أظن أن المصلين لن يلتفتوا إلى رجل دخيل مثلي في مسجد يحضرونه في كل وقت، غير أن الجميع كان متفهماً ومؤيداً، وطالبوني بإلقاء الخطبة القادمة في المسجد للتوضيح، لكني كنت قد عزمت على السفر، واعتذرت. 
الشاهد في الأمر أن ترويج مثل هذه الخطابات والدورات التي تقام باسم آل البيت في مدينة يتم قتلها كل يوم هو مشاركة في القتل، وتحريض للعدو على الغزو وارتكاب المزيد، ومناصرة له، ونخراً للمدينة من داخلها، مهما كانت اللافتات والمبررات. 
لم يكن الفكر الشيعي هو المدلس فقط المستغل للافتة المسمى (آل البيت)، وجعلها صنماً يعبد من دون الله بعد تحطيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وثنية قريش، وتطهير المسجد الحرام ومكة من الأصنام، ليتم إعادة الأصنام بصورة مغلفة تسمى (آل البيت) لعبادتها من دون الله؛ بل إن التراث والفكر السني يساهم بشكل كبير في هذه القضية، فإذا أعرض الناس عن الشيعة وفكرهم تصدر لنا السلاليون بالسنة، واستشهدوا بها ورفعوا رايتها. 
فمن المعلوم أن الشيعة تكره السنة مطلقاً، وتُكذِّب كل أحاديثهم ولا تؤمن بها، بل وتدعي أن القرآن الموجود غير القرآن الذي أنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولهم رواياتهم الخاصة في ذلك، لكن عندما يتعلق الأمر بتعظيم السلالة وما يوافق فكرة الشيعة فيها يطيرون فرحاً بأحاديث السنة التي تتفق ومنهج الشيعة في الجانب السلالي الذي يترتب عليه علو واستغلال سياسي يعزز سطوتهم وحضورهم في المجتمعات الإسلامية ويبرر لجرائمهم. 
برأيي أن التراث السني، الذي يرفع هذه الراية، دون مراجعة له أو تمحيص، وتنبه لتبعاته، لهو أشد خطراً من الفكر الشيعي على الشعوب الإسلامية وفكرها الإسلامي؛ كونه تشيع مغلف ويدعم الشيعة بشكل أكبر في مجتمعاتنا الإسلامية، ويمتثل له الناس ويسلمون رقابهم له كونه عقيدة لا تقبل التمحيص. 
لا بد لسلطة تعز المحلية ممثلة بأوقافها ومكتب ثقافتها الرقابة الكاملة على هذه الخطابات والمناشط التي تدس السم في العسل، ليذهب المزيد من أبناء تعز ضحية لها بطرق غير مباشرة، ودعماً للحوثي وتمهيداً فكرياً له كما فعل معهم آل الجنيد وآل الرميمة وغيرهم باسم السنة، فكانوا طليعة عسكرية احتلالية للمحافظة استقدمت المليشيا الإجرامية إليها وناصرتها على بني جلدتها. 
مقاومة المليشيا الحوثية الإرهابية والمشروع الإمامي العابر للزمان والمكان يبدأ من ضبط الخطاب والمناشط الفكرية، ويكفينا استغفالاً وسذاجة؛ فالدماء التي سقطت، والدمار الذي أحله الإرهاب الإمامي بتعز يكفينا دلالة ووضوحاً ودافعاً للوقوف في وجه هذا الفكر مهما كانت أغلفته. 
#تعز3000_يوم_حصار
#ارفعوا_الحصار_عن_تعز


Create Account



Log In Your Account