دَمَويّةُ الخطابِ السياسيّ في اليمنِ ... تفكيكُ الاستعاراتِ البلاغيّةِ
الأربعاء 16 أُغسطس ,2023 الساعة: 11:52 صباحاً

نشأ الاتحاد السوفيتي على الاستعارة والبلاغة في الخطاب وأنتج منها أكثر مما أنتج من الأسلحة العادية والذّرّية، وحين تخلّى عن الشعارات وواجه الواقع اندحر وتفكّك، وكذلك فعل الرِّفاق في جنوب اليمن باتت الخطابة والشِّعارات الثوريّة تخفي واقعًا هشًّا لا يصمد أمام الحقيقة، والدعاية نفسها أو الشعارات الاستعارية، التي حلَّت اليوم محلَّ الخطابة، سوف تلقى المصير نفسه.

  عِندما يكون الواقع في وادٍ وتلك الشعارات في وادٍِ آخر؛ يخامرني شعور يشجّعني على الاستمرار في الكتابة في هذا المضمار.... فثمّة عالم كامل من الشعارات الجوفاء الخاوية التي استغفلَتِ الناس في بلادي سوف ينهار في القريب واقترب يوم الحساب الوطني الجامع.  

       قَالَ (تشرشلُ) مرّةًَ لابنه وقد سألهُ عن سبب شهرة خُطبه السياسيّة وشغف الناس بها: " ألم تتعلّم بعد يا بُني أني أضعُ شيئًا من الويسكي في كلامي". 

     مِن حظِّ السًاسة "الزبالطة" في بلادنا أنّ القاتَ معادلٌ موضوعيّ  محليّ يُجزي عن كلّ خمور الدنيا والآخرة ويزيد، يبثَُّون فيه كلّ خطاباتهم وجرائمهم الُّلغويّة الإنسانيّة... فلا تحدِّثوني عن نشوة القات وحماسته ..خَدَرِه ....طقوسه، وسورته... وسيّان حينها بين صوت أيوب طارش والسّيّد بلفقيه، أو أصوت السّاسة "البعاطيط"، واستعاراتهم الخطابية في الأثر والانتشاء المؤقَّت يبيعون الوهم..  كلامهم هو" القات القاتل" واستعاراتهم البلاغية حشوها السُّموم والجرائم. 

         إنّما للفنّ صوتٌ أصيلٌ وخالد وصوت السّاسة المتلوِّنين ملعون ومضلِّلٌ وكاذبٌ.... وكلّها أصوات وخطابات .... أكانت للحبّ والأرض والحياة أو للموت والخراب والدّم. 

     الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل ... الوحدة أو الموت ... سحل الكهنوت لمّا يموت .... دم الجنوبي على الجنوبي حرام....  
           هل أدركتم عُمق مأساتنا؟  ودماؤنا التي تنزف....

  ويلاه! .... كم عبث بنا الرِّفاق التقدُّميين والإخوان الرجعيين وبنو حمّالة الحطب وسواهم بشعاراتٍ مُضلّلة تفوحُ منها الدِّماء التي حرّمها الله
     وتُخفي هذه الاستعارات أنساقًا أخرى من العنف والكراهية سنأتي على تحليل بنيتها لاحقًا....

         فكأنّ مهمّة الاستعارات التي من هذا النوع وغيرها الدفاع عن القضايا العادلة  بنوايا مُغرِضة ... تخفي مصالح أنانية وأطماع"  (الجنوب قادم)
          
 يقول جورج اوريل" الخطابات والكتابات السياسية في زماننا تدافع بشدة عمّا لا يمكن الدفاع عنه وتزرع الوهم "... (الموت لأمريكا} ... هكذا يصرخ "أنصار الله" بضراوة وعماء مُدركين  أنهم وهم يستوردون هذا الشعار من ثوار إيران أن أمريكا إن لم تكن موجودة يجب اختراعها. 

    أما المفكِّر الفرنسي " ريجييس دوبريه" في نقده للعقل السياسي، فإنه يقول "لا شيء يشبه الساحر إلا السياسي المعاصر... فكلاهما كاهن: الأول في معبده السِّحري يتمتم بكلمات سِحرية قليلة مؤثِّرة تضمن له تبعية القطيع البدائي واستسلامه"
 
والثاني-  أي السياسي المعاصر- كاهن جديد لأسطورة جديدة، عليه ان يحافظ على تمائمه السِّحرية ويحفظها عن ظهر قلب، وان يُحافظ على مَكره السياسي الشديد ليضمن نجاح أسطورته السياسية الجديدة لنقل أيديولوجيته السياسية الجديدة
"فلا شيء يشبه الأيديولوجيا السياسية الجديدة إلا الأساطير السياسية الجديدة وكأنهما٤ وجهان لحقيقة واحدة"   

    يَجبُ أن تنتقل البلاد من أيدي المهرِّجين السياسيين "الزباليط" الذين يجعلون من البلاغة والاستعارة فخاخًا وشراكًا وقاتًا، إلى المخلصين الوطنيين الذين يريدون أن يمسكوا بدفة التاريخ وينهون هذا العبث ولن تعدم اليمن رجالاً مخلِصين. ... اقتربت ساعة الحساب الوطني .. اقتربت وتشققت الاستعارات والخطاب المضلِّل يتهدّم.


Create Account



Log In Your Account