مابين سُهَيْل والأول..عاد المَغَل يتحَوَّل
الثلاثاء 22 أُغسطس ,2023 الساعة: 03:51 مساءً



 انقضى شهر تموز الذي يتميز بحره وجفافه وقِلَّة أمطاره، ورياحه وأجوائه المغُبَرَّة..
ومع هكذا أجواء تكون الأرض والزرع في ضمأ، وبأمسّ الحاجة للمطر.

لكن لا يلبث أن يتبدل الحال وتأتي البشائر مع حلول شهر (آب) الذي يلي شهر تموز، ويبدأ بتاريخ 13 أغسطس من كل عام، على (حِسبَة الرَعْوي)؛ إذ يظل الرعوي يترقب البُشرى وحلول المطر (ويتَحَّسَبْ) له ولمواقيت هطوله، ويقول في ذلك:

"مابين سهيل والأول- عاد المَغَل يتحوَّل" 

وسهيل هو النجم المعروف الذي يطلع في بداية العشر الأواخر من شهر تموز طبقا لحساب الرعوي، أي بداية أغسطس، بينما (الأول) هو عدة أيام من بداية شهر (آب)، وتبدأ من 13 أغسطس على حِساب الرعوي أيضا، إذ يُقسِم الرعوي شهر آب جنوبي محافظة تعز إلى ثلاثة مواقيت أوفترات، وهي الأول والثاني والثالث، وكل فترة مدتها 10 عشرة أيام، بحسب الباحث عبدالهادي العزعزي وأثناء جلسة نقاش جمعتني به. 
مع الوضع عين الإعتبار، أن هذه المواقيت هي خاصة بريف تعز، لأن الحساب يختلف شيئا ما من منطقة إلى أخرى في ربوع اليمن. 

ومابين سهيل والأول، ربما يقصد المزارع الأيام من أول يوم لطلوع نجم سهيل، 1 أغسطس، وحتى آخر يوم من (الأول)، 22 أغسطس.
ويتوقع الرعوي في هذه الفترة أن تهطل الأمطار بعد طول انقطاع، كون سُهيل هو علامة وإذان بإنحسار القيض وهطول المطر الغزير.
وتتميز هذه الأيام أيضا بكثرة الصواعق الرعيد ونزول (البَرَد) المصاحب للمطر، وهو الشيء الوحيد الذي يقلق المزارع كونه يتلف الثمر..

 يقول الرعوي أيضا:
"أوَّلُه ع الحَنَبْ وآخره على مطر آب"

ويقصد الرعوي أن الزراعة تعتمد في البداية على البذر و(إحْنَابْ الحَبَةْ)، أي تثَّبت البذرة وإنباتها، ثم بعد ذلك يكون الإعتماد على مطر آب الذي ينعش الزرع ويبعثه بعد أن كاد (يَيْبَسْ يموت) في تموز..  

فمع هطول المطر في آب، يتبدَّل الحال وتنتعش الأرض وتَنْبَعِثُ إنبعاثا، وهذا هو المقصود ب(عاد المَغَل يتحَوَّل)، أي يتغيَّر الحال بما تنتجه الأرض من(غِلَّة) وتزيد واردات(المَغَل)، والذي هو كناية عن زيادة رَيْع الأرض أو (الغِلَة).
والمَغَلْ: كلمة تستخدم جنوبي محافظة تعز، وتعني خزينة الدكان أو ما شابه، وربما يعود أصلها للغة الهندية.

وبالمناسبة، لعلنا لاحظنا انحسارا للقيض وعودة لهطول المطر و (البَرَد) خلال الأيام القليلة الماضية على بعض المناطق، وتبدل حالة الطقس في تعز واعتداله نسبيًا وسيستمر تدريجيا بعد أن وصل الحر ذروته في تموز وبدأ العد التنازلي لنهاية فصل الصيف.

وفيما يخص شهر آب وغزارة أمطاره، فهناك عدة مقولات للرعوي، إذ يقول:

"آب للعشاء ولاب"

و (لاب) تعني أقبل ووقع، أي بمعنى أن المطر في شهر آب دائما مايَتَحَيَّن للمساء ويهطل بغزارة..
 
"آب يُتَّبِعْ الراعي بالباب" 

و(يُتَّبِعْ) تعني يُدرك، ويُقصد أن مطر آب لايمهل الراعي، ويُدْرِكُهُ في الباب أو في طريقه وهو عائد مساءً من الرعي..

ويبدأ الزرع في شهر آب بإخراج سُنبله، إذ يقول الرعوي :

"آب سبولة وعكاب"

والسبولة: هي السنبلة، 
والعُكَّابْ: جمع لكلمة (عُكابي)، ويقصد بها السنبلة التي لاتنتج أو تخرج الحَبْ، والقصد أن آب ميقات خروج السنابل المُنتجَة وغير المُنتجَة.

أما بالنسبة للأعمال الزراعية التي تتم في شهر آب، فهي عملية (الجَلَبْ)، والتي تلي عملية (الكَحَيف) التي تمت في تموز.

يقول الرعوي:
"هِمّ الجَلَبْ ولا تُهِمّ أكساره"

والجَلَبْ: هي عملية إسناد للزرع بتدعيم جذوره بمزيد من التراب حتى يغرس عروق جديد ويزداد ثبات في وجه مطر آب ومايرافقها من رياح، وتتم هذه العملية عن طريق (النِباَل) و(الضِمْد)،
 والنِبَال: وهو أداة الحرث المعروفة،
 والضِمْد: زوج الثيران.

ولأن الجَلَبْ يكون في وقت قد كُبر فيه الزرع وأصبح في الطول حوالي نصف قَامَة، فإنه يرافق هذه العملية تَكَسُر الكثير من الزرع عن طريق (المَضمِد)،وهو القطعة الخشبية التي توضع على رقبة الثور أو رقبتي(الضِمْد)، إلا أن الرعوي رغم ذلك يحث على القيام بالجَلَبْ وعدم (هِمَّت) أو خوف الأضرار الجانبية، لأن نفع هذه العملية أكثر من ضَرِّها، 

كما أن تَكَّسُر الزرع له فوائد أيضا، حيث أن الزرع المُتكَسر يفسح المجال لما تبقى من زرع ليشتد عوده ويقوى، وبالتالي ينتج أكثر، إضافة إلى أن الزرع المُكَّسَر، يقدم (كطُعْمْ) للمواشي والذي تحتاجه خلال موسم الزراعة وهي في محبسها.

لكن وللأسف.. عملية (الجَلَب) لم يعد المزارع في ريف تعز يقوم بها منذ وقت ليس بالقصير، على الأقل هذا ما لاحظته منذ طفولتي في قريتي جنوبي محافظة تعز والتي تربيت فيها وفي كنف (الرَعْوِيَة) أو الزراعة،
إذا لم يكن يَقوم بها (الرعاوية) وهم (يَترَعوون) أرضهم منذ ذلك الوقت، وهي عملية تم إهمالها وتركها إلى جانب أعمال أخرى، كانت تعد من أهم أعمال الزراعة فيما مضى. 

ثم بعد الجلب،تقريبا مع نهاية آب، وبعد أن يكون الزرع قد كبر قليلا وبدأ بإخراج السنابل، تبدأ عملية إزالة أوراق الزرع و (العَلَفْ)، وتزال الأوراق حتى المنتصف أو أزيد قليلا، وذلك حتى يتركز الغذاء في الأعلى ويغذي السُنبُلة لتكبر وتنضج بشكل أكبر وأسرع.




Create Account



Log In Your Account