الإثنين 17 مارس ,2025 الساعة: 03:23 مساءً
تشير التطورات الأخيرة إلى تحول كبير في النهج الأميركي تجاه إيران، حيث تتزايد المؤشرات على أن إدارة الرئيس دونالد ترامب باتت تتبنى موقفًا أكثر تشددًا، لا سيما فيما يتعلق بالملف النووي ودعم طهران لوكلائها في المنطقة. تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين، إلى جانب الإجراءات العسكرية والدبلوماسية الأخيرة، توحي بأن قواعد اللعبة التي كانت تحكم التعامل مع إيران خلال السنوات الماضية قد انتهت، وأن مرحلة جديدة من التصعيد قد بدأت، وفق تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد.
جاءت الغارات الأميركية الأخيرة على مواقع الحوثيين في اليمن كإشارة واضحة إلى أن واشنطن لم تعد تكتفي بالتصريحات، بل انتقلت إلى مرحلة الفعل. ففي مقابلة مع شبكة "سي بي إس نيوز"، شدد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، على أن الحوثيين لم يكونوا ليتمكنوا من استهداف خطوط الملاحة في البحر الأحمر "لولا الدعم الإيراني". هذا الموقف يعكس إصرار الإدارة الأميركية على تحميل طهران المسؤولية المباشرة عن التهديدات التي تواجه حركة التجارة العالمية في المنطقة.
التصعيد لم يقتصر على الجانب العسكري، بل ترافق مع خطوات سياسية واقتصادية واضحة، من بينها إعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، وهو القرار الذي يحمل تداعيات كبيرة على تمويلهم وأنشطتهم المالية. كما أعلنت واشنطن عن صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 7 مليارات دولار مع إسرائيل، في خطوة قد تعكس استعدادًا لسيناريو تصعيدي ضد إيران.
في سياق موازٍ، أطلق السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام تحذيرات شديدة اللهجة حول برنامج إيران النووي، معتبرًا أن تخصيبها لليورانيوم بنسبة 60% هو مؤشر واضح على نيتها تطوير قنبلة نووية. وقال غراهام إن احتمال نجاح الجهود الدبلوماسية في ثني طهران عن هذا المسار لا يتجاوز "واحدًا في التريليون"، في إشارة إلى قناعة متزايدة داخل الدوائر السياسية الأميركية بأن الخيار العسكري قد يكون الخيار الوحيد المتبقي.
تفاوض أو مواجهة
قبل نحو أسبوعين، بعث الرئيس ترامب برسالة إلى القيادة الإيرانية تتعلق بالملف النووي، تضمنت خيارين لا ثالث لهما: التفاوض كخيار مفضّل، أو المواجهة العسكرية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. هذه الرسالة قرأها كثيرون على أنها تحذير أخير لطهران، خاصة وأن الرد الإيراني لم يحمل رفضًا قاطعًا، بل بدا أقرب إلى المراوغة.
وفي إطار تعزيز هذا النهج التصعيدي، يرى محللون أن الضربات الأميركية ضد الحوثيين لم تكن مجرد رد فعل، بل تأتي في سياق إرسال "الرسالة الثانية" لطهران، بعد رسالة ترامب، بأن أي تحركات إيرانية ستواجه برد حازم.
التصعيد الإسرائيلي ودور تل أبيب
بالتوازي مع الموقف الأميركي المتشدد، صعّدت إسرائيل من عملياتها ضد ما تسميه "الأذرع الإيرانية" في المنطقة، في مؤشر على أنها تستعد لمواجهة مباشرة. وتشير تقارير إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو ترى أن الظروف الحالية هي الأفضل لتصفية الحسابات مع إيران، خاصة بعد انهيار نظام بشار الأسد، ما فتح المجال أمام تغييرات استراتيجية في ميزان القوى بالمنطقة.
وكان لقاء السيناتور غراهام مع نتنياهو في القدس قد ركّز بشكل خاص على ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، في إشارة إلى توافق أميركي-إسرائيلي كامل بشأن خطورة المرحلة الحالية.
إضافة إلى هذه التحركات، جاءت الأحداث الأخيرة في الساحل السوري لتضيف بعدًا جديدًا إلى المشهد. فرغم أن واشنطن التزمت الحذر في توجيه اتهام مباشر، إلا أن الوزير روبيو طالب بتحقيق بشأنها، بينما اعتبر غراهام أن هذه الأحداث كانت "من أكثر ما أقلقه" في الشأن السوري. وتشير تقارير إلى أن هناك شكوكًا حول دور إيراني في تصعيد الأوضاع هناك، ربما كجزء من استراتيجية طهران للرد على الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها.
رهان طهران
في محاولة للبحث عن خيارات بديلة، عقدت إيران اجتماعًا ثلاثيًا مع روسيا والصين في بكين يوم 14 مارس/آذار الجاري، ضم نائبي وزيري خارجية موسكو وطهران ووزير الخارجية الصيني. ورغم أن الاجتماع جاء بعد تصاعد التهديدات الأميركية، إلا أن بيانه الختامي لم يتضمن تحذيرًا صارمًا لواشنطن، بل اكتفى بالتأكيد على أهمية الحل الدبلوماسي. هذا الموقف قد يشير إلى أن حلفاء إيران التقليديين ليسوا مستعدين لخوض مواجهة مفتوحة لحمايتها، وهو ما قد يزيد من عزلتها في المرحلة المقبلة.
قواعد اللعبة القديمة
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن إدارة ترامب مصممة على إنهاء نهج التفاوض المطوّل الذي اتبعته إدارتا أوباما وبايدن في التعامل مع الملف النووي الإيراني. كما أن هناك تفاهماً واضحًا بين واشنطن وتل أبيب، حيث منح ترامب لحكومة نتنياهو حرية التصرف في المنطقة، وفق ما تراه مناسبًا، ضمن حدود يتم تحديدها بحسب التطورات.
ويعتقد مراقبون أن إسرائيل ترى أن اللحظة الحالية قد تكون الأكثر ملاءمة لتنفيذ تحركات حاسمة ضد إيران، مستفيدة من التصعيد الأميركي المتزايد، ومن التغييرات التي شهدتها المنطقة، والتي قد توفر لها فرصة غير مسبوقة لإضعاف نفوذ طهران بشكل نهائي.
مواجهة حتمية؟
مع استمرار الضغوط الأميركية وتكثيف العمليات العسكرية ضد وكلاء إيران، يبدو أن المواجهة المباشرة أصبحت احتمالًا أكثر واقعية مما كانت عليه قبل أشهر. فإدارة ترامب توجّه رسائل واضحة بأنها لن تسمح لطهران بالاستمرار في سياساتها الحالية، فيما تبدي إيران رغبة في التفاوض، ولكن دون تقديم تنازلات جوهرية.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستكون الخطوات الأميركية المتزايدة مجرد وسيلة لانتزاع تنازلات إيرانية، أم أنها مقدمة فعلية لمواجهة عسكرية باتت واشنطن ترى أنها الخيار الوحيد القادر على وضع حد للملف النووي الإيراني؟ الأيام القادمة قد تحمل الإجابة.