السبت 12 أبريل ,2025 الساعة: 07:13 مساءً
في الوقت الذي كان اليمنيون يحلمون بطي صفحة الماضي، فُتح دفتر قديم بحروف باهتة ورائحة ماض مثقل بالخيبات. تُعيدنا "حكومة المناصفة" – أو لنقل حكومة المنافضة – إلى ذات الوجوه، ذات الأنفاس، ذات العائلات، وكأن البلاد عقيمة لم تلد إلا مجموعة محددة من الأسماء لا تموت ولا تتقاعد، فقط تتنقل بين المناصب كما تتنقل الريح بين بقايا الأطلال.
بمعنى أدق فإن عودة عبدالوهاب الحجري، نسيب الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، سفيرا مجددا في واشنطن، ليست سوى إعادة بث لحلقة مكررة من مسلسل لا أحد يريد مشاهدته. هذا الرجل الذي أمضى أكثر من 15 سنة ممثلا لليمن في أمريكا خلال حقبة صالح، يحمل اليوم رقما قياسيا لم يحققه حتى السفراء في الدول المستقرة.
بل لقد استحق لقب "السفير الأبدي" بجدارة، وربما ستُعلق صورته يوما في متحف السفراء الخالدين إلى جانب رموز الجمود والركود.
والسؤال الذي يتدحرج في أفواه اليمنيين: من يعين السفراء؟ هل هو وزير الخارجية؟ أم رشاد العليمي؟ أم أن هناك هاتفا عتيقا من سنحان لا يزال يرن في أروقة صنعاء وعدن على حد سواء، يوزع المناصب كما توزع الولائم في عرس قبلي؟
نعم ، كيف تُعاد تدوير نفس الشخصيات التي طُحنت خلال فترة حكم صالح، وكأننا بحاجة إلى المزيد من التذكير بفشل الماضي؟
كذلك أين الخطاب الجديد؟ أين التحول الديمقراطي الذي تغنى به البعض بعد 2011؟ هل اختزلت حكومة "الشرعية" نفسها في شرعية توريث المناصب وتكرار الأسماء؟ام هل تعاني الدولة من نقص في الكفاءات؟ أم من فائض في النسب والمصاهرة؟
على إن عودة الحجري ليست مجرد تعيين إداري. إنها صفعة لكل من ظن أن الثورة غيّرت شيئاً. هي رسالة واضحة بأن مفاصل الدولة لا تزال مختطفة، لا من المليشيات فقط، بل من عقلية "الدولة العائلية" التي جعلت من الوظيفة العامة إرثاً، ومن المنصب هدية زفاف.
والأسوأ أن هذه العودة تتم في واحدة من أهم العواصم العالمية، حيث تُصنع السياسات، وتُصاغ القرارات.
طبعا واشنطن ليست قرية صغيرة تُدار بعقلية العائلة الممتدة. هي عاصمة تحتاج إلى سفير يعبر عن مستقبل اليمن، لا عن ذكريات بلاستيكية من أرشيف الدولة المنهارة.
ويا سادة، لسنا ضد الأشخاص كأسماء. قدر ما نحن ضد الفكرة التي تقول إننا بلا ذاكرة، وإن هذه البلاد لا تستحق تجديدا حقيقيا.
نعم ، نحن ضد أن يُكافأ الولاء الشخصي بالمنصب العام، وضد أن يُختزل اليمن في دفتر عائلة، وفي أوراق نسب.
وهكذا لعلنا نضحك من باب السخرية السوداء، حين نقترح أن يتم ترشيح عبدالوهاب الحجري لتمثيل اليمن في أمم الأمم المتحدة، فربما يبقى هناك إلى الأبد، يتحدث باسم دولة لا تتغير، ولا تكبر، ولا تنسى أبناء المصاهرة مهما تعفّنت التجربة.
ويا حكومة المنافضة، كفاكم تدويرا، فإنّ النفايات لا تُدوَّر إلى ذهب.