عبد الرحمن حجري.. حين تنكسر النخلة واقفة!
الجمعة 02 مايو ,2025 الساعة: 04:02 مساءً

في تهامة، حيث لا تنحني النخلات إلا للريح، رحل عبد الرحمن حجري. 
ولكن لم يمت رجلٌ كهذا، بل صعد، كما يصعد الشهداء، مضمّخا بصوت الأرض، ممجّدا في ضميرها النقي، منقوشا على جدار الشمس. 
ولقد كان قامة تتقاطع فيها السياسة بالعقيدة، والعسكرية بالكرامة، والحق بالجرح المفتوح على مقاصل الطغيان.

ولد في التهاميين توقُ إلى الفداء، وخرج من رحمها فارسا لا يطأطئ الرأس ولا يساوم، ينقش اسمه في صفحات النضال كأنما هو حرفٌ من نار وحناء.اذ قاد في ميادين الحرب ببسالة، كما قاد في ساحات الكلمة والموقف بشجاعة العارفين أن للحرية ثمنا، وللكرامة رجالا لا يبدّلون تبديلاً.

صدقوني كان صاحبي عبد الرحمن حجري أكثر من قائد، كان ذاكرة تُلهب الحاضر، ومشروعا يمشي على الأرض، يتوكأ على الشهداء ويهمس في أذن الوطن: لا تيأس، فالعقيدة لا تضعف، والحق لا يموت، وإن مات رجاله في الظاهر.

وهكذا من الجبهات إلى المنصات، من الساحات إلى خنادق الصمت القسري، ظل حجري يطل علينا بجبين مرفوع، لا يعرف التخاذل، ولا يخشى السجون، ولا يبيع كلمته مهما ضاق الخناق. كان الزرنوقي الحر وهو الصوت الذي لا تملك تهامة أن تخسره، فكيف لها اليوم أن تتحمل رحيله؟ وكيف للجبال أن تحتمل موت النسر؟

لذلك لكل تهاميٍّ يائس، كان حجري الرد. لكل محروم، كان العزاء. ولكل طاغية، كان اللعنة الواجبة. ارتقى الرجل الذي طالما خاض المعارك وهو يضحك، كأن الموت أليفٌ بين يديه، وكأن الشهادة قصيدة كان يكتبها منذ البدء، سطرا سطرا، إلى أن ختمها اليوم برحيله.

صحيح رحل عبد الرحمن، ولكن البلاد لم تُيتم. فالأبطال لا يُورّثون الحزن، بل يورّثون المعنى. إذ ترك لنا وضوحا صافيا في زمن الغبش، ووصية خفية تقول: لا تساوموا، لا تصمتوا، لا تضعوا السلاح حتى تعود تهامة حرة، وحتى ينجلي الظلام من صنعاء، وعدن، والحديدة، وكل مدن الروح المعذبة.

فيا أبناء تهامة، لا تبكوه بالبكاء، بل ابكوه بالفعل؛ بحمل رايته، بمواصلة الصراع، بتجذير الحق في كل وجع، وبزرع الحلم التحرري في كل أمٍّ فقدت ولدها، وكل طفلةٍ انتظرت والدها على أبواب المنفى.

سلامٌ على روحك يا حجري، يوم وُلدتَ، ويوم قاتلت، ويوم متّ واقفا كما يليق بالشجعان.!

نقلا عن صفحة الكاتب على منصة إكس


Create Account



Log In Your Account