الجمعة 05 سبتمبر ,2025 الساعة: 05:28 مساءً

منير طلال
ما أعادني اليوم الى الوراء هو ما كتبه بعض الاصدقاء عن رجل لم يكن يشبه أحداً، رجل بلا اطراف تقريباً لكن إسمه كان يملأ شوارع تعز، جبران عقلان أو كما عرفه الناس جبران الوحش.
أذكر أنني التقيته صدفة عام 2013 في سوق القات بالحوبان، وفي عصيفرة أتذكر أنه كان يجلس على حافة السوق يشرب شاي في علبة معدنية يراقب الداخلين والخارجين، شكله المميز جعلني أشعر بالرأفة كيف يعيش إنسان بلا يدين ولا رجلين؟
كيف استطاع أن يصل الى هذا العمر؟
همس صديق في أذني لا تنخدع هذا الرجل مخيف، فيه كل الصفات السيئة، لم أصدق فكيف لشخص معاق أن يكون بهذا الوصف، لم أكن أعرف أنني أمام رجل أقرب ما يكون الى نسخة يمنية من شخصيات أفلام المافيا والشر.
الطفولة المسروقة
ولد جبران في بيت فقير معدم، عاش طفولته متسولاً في الأسواق لم يعرف المدارس ولا القراءة ولا الكتابة، لم يكن له مستقبل سوى أن يعيش على ما يجود به الناس، لكن داخله كان يغلي، كان يشبه الجوكر في بداياته، رجل سحقه المجتمع فقرر ان يسحقه بدوره.
من المتسول الى البلطجي
كبر وهو يحمل فكرة أن القوة وحدها تمنحك الحق في العيش، حين وصل الى سوق القات المركزي في عصيفرة بدأ يفرض نفسه على الباعة بالقوة كما يفعل توني مونتانا في فيلم سكارفيس، يلوح بالكلاشنكوف تحت خده يعمره بذراعه القصيرة جداً ويطلق النار على من يرفض دفع الإتاوة. الجنبيه أيضا كانت حاضرة، يضعها في رقاب الناس ويرعبهم بها.
عصابة الأبقط
شيئاً فشيئاً، التف حوله مجموعة من القتلة والمرتزقة اسماهم الناس عصابة الابقط، صار زعيمهم بلا منازع، كان يحكم السوق مثل آل كابوني في شيكاغو،
لا أحد يرفع صوته ضده ولا يجرؤ على رفض أوامره، ارتبط اسمه بمقتل الأستاذ عبدالله قاسم المخلافي، ليزداد الخوف حوله.
السجن والهروب
الأمن قبض عليه وأودعه السجن المركزي في تعز، لكنه حتى بين السجناء كان زعيماً، وحين اندلعت الحرب عام 2015 أنهارت أبواب السجون وخرج جبران مثل الجوكر ، حين فر من مستشفى المجانين إلى شوارع جوثام، ليشعل المدينة بالفوضى.
بقالة جبران الوحش
بعد خروجه نصب كشك في جولة سوفتيل، أسماه بقالة جبران الوحش، لم يكن كشك بقالة بل مكتب مافيا يوزع الرعب على الناس.
كان يجلس فيه أو في سوق الرفاعي بالحوبان محاطاً بمرافقين يمتطي سيارة فاخرة كأنه نسخة يمنية من العراب دون فيتو كورليوني.
حين كان يدخل سوق القات كان المقاوتة يفسحون له الطريق، يزيحون الزبائن حتى لا يضيق صدره ويطلق النار، مشهد يذكرك بمشاهد آل باتشينو حين يدخل النوادي في الأفلام والكل ينكمش خوفاً.
الشخصية الغامضة
الذين عرفوه عن قرب يقولون أنه فقأ عين رجل بيده المعاقة وأنه كان يضرب بالجنبيه كما يطلق الرصاص، بعضهم شبّهه بايفار الكسيح، قائد الفايكنج المعاق، الذي دوخ اوروبا ومع ذلك كان في عيني أنا صورة أخرى كانت تذكرني بالجوكر بضحكته المخبأة تحت صمت قاس. لم أكن أعرف حينها أنني أراقب أخطر شخصية في اليمن.
النهاية
لكن القدر لم يمهله طويلاً. في أحد الأيام، بينما كان في سوق القات بجولة سوفتيل قرب مستشفى الرفاعي باغتته قذيفة مدفعية وسقط قتيلاً. في لحظة واحدة قالوا ربما صدفة وربما دعوة مظلوم لحقت به لكن المؤكد أن موته كان نهاية فصل دموي في مدينة تعبت من الفوضى.
جبران الوحش رحل لكن قصته بقيت تروى بين الناس كما تروى قصص المجرمين الكبار في السينما العالمية من الجوكر إلى آل كابوني ومن توني مونتانا الى ايفار الكسيح.