الثلاثاء 29 يناير ,2019 الساعة: 12:56 صباحاً
في مثل هذا الشهر قبل 50 عاماً، كانت واقعة الغدر الأشهر التي طالت أكثر أبطال الجمهورية الأولى شجاعة وصلابة ووفاءا لليمن.
ففي 24 يناير1969 م، أغتالت القوى الطائفية المسيطرة على صنعاء التي فرت من وجه الملكيين في حرب السبعين يوما،قائد عملية فك الحصار الملكي عن صنعاء، البطل الفذ، عبدالرقيب عبدالوهاب.
كانت واقعة القتل البشعة شهادة وفاة الجمهورية الأولى التي كافح من أجلها أبناء اليمن الأحرار، واستمرت عنوان الجمهورية المسخ التي ظلت تتأرجح بين مد وجزر،حتى سلمها صالح، الإمتداد المريض لذات المجموعة الطائفية،لأسلاف عائلة حميد الدين بعد 52 عاما من ثورة 26 سبتبمر .
سيرة البطل الجمهوري الذي دوخ الملكيين وأثار حقد الطائفيين في جلباب الجمهورية
ولد عبدالرقيب عبدالوهاب البناء، في 28 يناير 1943 بقرية ذلقان في منطقة ذبحان بمديرية الشمايتين ، الحجرية تعز. واللافت شهر ميلاده، سيكون هو نفسه تاريخ استشهاده وعمره 26 عاما.
كما هو حال أبناء تلك المرحلة، كانت القرية هي حاضنة خطواته الأولى للتعليم، حيث التحق بكتاب القرية، ولاحقاً انتقل الى مدينة عدن، حيث درس فيها الإعدادية والثانوية في إحدى مدارس الأحرار اليمنيين الذين اتخذوا من عدن مقرا لممارسة أنشطتهم السياسية المعارضة للإمام يحي وأبنه احمد لاحقاً جنبا الى جنب مع الحرص على التعليم وإنشاء المدارس الحديثة.
وبينما كان يتلقى التعليم، كان الطالب الريفي المكافح يعمل لدى إحدى المطابع لإعالة نفسه وتدبير مصاريفه الدراسية.
عندما أشتعلت ثورة 26 سبتمبر عام 1962 كان قد بلغ من العمر 19 عاماً فأنتقل الشاب المتحمس، عبدالرقيب مع يمنيين كثر من أبناء محافظة تعز وعدن وبقية المحافظات اليمنية،الى صنعاء، والتحق بالجيش للدفاع عن الجمهورية الوليدة، وشارك في كثير من معارك الثورة ضد فلول الملكيين.
عام 1964 سافر الى القاهرة لمتابعة دراسته العسكرية،حيث التحق بالكلية الحربية وتخرج منها، وحصل على دورتين عسكريتين في الصاعقة والمظلات، وعين بعد عودته الى صنعاء، قائداً لمدرسة الصاعقة، ثم قائدا لقوات الصاعقة أبرز تشكيلات الجيش الجمهوري.
لقد كان قائداً فدائياً ،مخلصاً ظل يؤدي واجبه الوطني مفعماً بإحساس القائد الذي يضع رأسه على كفه، بينما كانت المؤامرات والعواصف تزمجر للإطاحة بالجمهورية ودخول المرتزقة والأجراء بقيادة الفرنسي بوب دينارعلى خط الحرب الى جانب الملكيين المدعومين من السعودية.
بعد نكسة يونيو حزيران واجهت مصر ظغوطات كبيرة أدت الى سحب وحدات الجيش المصري الذي ساهم بفعالية في دعم النظام الجمهوري والجيش اليمني.
مع بدء سحب أولى الوحدات، كان هناك تحركاً داخليا قد بدأ بانقلاب 5 نوفمبر كترجمة حرفية لبداية مرحلة تبين لاحقاً أنها استهدفت قادة ثورة 26 سبتبمر و"تصفية القوات اليمنية والأجهزة الامنية، من خيرة العناصر الوطنية"، حيث تم اعتقالهم وإيداعهم السجون.
كان على رأس هؤلاء المستهدفون المناضل الجسور ،ابو الثورة، ورجل الأعمال السخي عبدالغني مطهر، وآخرين وضعوا في سجن القلعة الرهيب بحجة، الذي كان يستخدمه الإمام لسجن الثوار.
قبل إكمال الحصار، واقتراب الملكيين من إحكام قبضتهم على كامل محيط صنعاء، كان الانقلابيون قد شرعوا في اجراءات "إعادة تنظيم الجيش ومناقشة متطلباته".
كانت المفاجأة كبيرة، فكبار الضباط المؤيدين للإنقلاب، رفضوا قرارات تعيينهم في رئاسة هيئة الأركان، والثابت أن هذه الحقيقة لا ترد كثيرا في روايات " الأبطال المزيفين" الذين كانوا جزءا من مؤامرة ضرب الجمهورية.
رفض العقيد علي سيف الخولاني تولي المهمة رغم صدور قرار تعيينه، وكان قد م من القاهرة الى صنعاء رفقة حسين الدفعي، لكنه أقفل راجعا القاهرة مرة أخرى، رافضا تحمل المسؤولية.
نفس الأمر فعله عدد من ذوي الرتب الكبيرة وبعضهم اعضاء في قيادة النوفمبريين بصنعاء، كحمود بيدر، فضلا عن حسين المسوري، الضابط الذي سيكون لاحقا واحدا من أعوان نظام علي صالح وشبكته الفاسدة.
يقول المناضل والقائد عبدالغني مطهر في كتاب يوم ولد اليمن مجده " فر حمود بيدر الى القاهرة من صنعاء ومعه محافظ الحديدة العقيد عبدالله الضبي .. وهكذا كان موقف كبار العسكريين من أنصار حركة إنقلاب 5 نوفمبر، في الوقت الذي كان فيه الوطن يواجه أياماً عصيبة، حاسمة في تاريخ ثورته، التي ضحى من أجلها أحرار اليمن بأرواحهم ودمائهم واموالهم ".
حينما فر الجمهوريون الأدعياء وهم يرون قوات الملكيين تطبق الحصار على صنعاء،" لم يكن أمام زعماء انقلاب 5 نوفمبر، سوى إسناد المناصب القيادية في الجيش الى عدد من الضباط ذوي الرتب الصغيرة " يضيف مطهر.
وقت فرارهم من المسؤولية الوطنية، كان ثمة رجال أفذاذ يخوضون ببسالة حرباً وجودية للدفاع عن الجمهورية، وكان الرائد عبدالرقيب عبدالوهاب، قائد قوات الصاعقة، هو الذي وقع عليه إختيار الإنقلابيين لرئاسة هيئة أركان حرب القوات المسلحة، مع احتفاظه بقيادة قوات الصاعقة في نفس الوقت، ورقي الى رتبة مقدم،وقد حدث ذلك في ديسمبر 1967.
الى جانب عبدالوهاب، أسندت، قيادة المظلات الى الرائدين محمد مهيوب الوحش، وحمود ناجي، وقيادة المدفعية الى الرائد علي مثنى جبران، أما قيادة الصواريخ الى الملازم غازي علي عبده، وتم اسناد قيادة قوات المشاة الى الرائد محمد صالح فرحان.
مع اشتداد الحصار نزح المجلس الجمهوري برئاسة القاضي الإرياني، الى الحديدة، واختار اعضاء السلك الدبلوماسي الاجنبي، مدينة تعز مقصداً، وكذلك فعل كبار ضباط إنقلاب 5 نوفمبر، في وقت كانت صنعاء أحوج ما تكون اليهم " فمنهم من توجه الى بغداد ومنهم من فر الى دمشق أو القاهرة، أو الجزائر" كما يروي القائد مطهر.
حيال ذلك " الموقف المؤسف من انصار انقلاب 5 نوفمبر، طلب القاضي عبدالرحمن الإرياني، من الرائد عبدالرقيب عبدالوهاب، وزملائه البواسل أن يوقفوا القتال ويشرعوا في التفاوض مع أعداء الثورة والجمهورية لوضع اتفاقية سلام ". وفقا لكتاب يوم ولد اليمن مجده.
لكن رد القائد عبدالرقيب ورفاقه جاء صارخا وثابتاً " إن مبدأ الإستستلام مرفوض، وأننا سوف نقاتل حتى آخر قطرة من دمائنا" يؤكد الزعيم الراحل بعدالغني مطهر في روايته لتلك المرحلة.
كان القائد عبدالرقيب عبدالوهاب، لا يشرف على المعركة فحسب كرئيس هيئة أركان القوات المسلحة، بل كقائد لقوات الصاعقة، حيث يخوض ميدانيا معركته الكبيرة شمال صنعاء عند مصنع الغزل والنسيج في مواجهة القوات المحاِصرة، بقيادة أكثر رجال الملكيين شهرة : قاسم منصر، وأذاقه شرهزيمة وتمكن من طرد الملكيين من هناك ودحرهم.
لقد كانت ملحمة وطنية خالدة.
" ولسوف يسجل التاريخ بكل الفخار لهؤلاء الأبطال جميعا استماتتهم، في الدفاع عن كيان الوطن،وصمودهم الرائع وتصديهم الباسل لكل المتربصين بالنظام الجمهوري " يقول الزعيم الوطني عبدالغني مطهر.
مع حلول شهر فبراير 1968 كان عبدالرقيب ورفاقه، قد نجحوا في فك الحصارعن صنعاء ، ويئس الملكيون من اسقاط النظام الجمهوري، فتوقفت الحرب، لكن، الفارون من معركة الدفاع عن الجمهورية بدأوا يرتبون لمعركة أخرى تخصهم وتخص نزعاتهم العصبوية البغضية التي قامت الجمهورية لطمسها وبناء جمهورية اليمنيين بكل طوائفهم.
بعد شهر واحد فقط على انجلاء غبار المعركة، واستقرار الأمر لمصلحة الجيش الجمهوري " "بدأت الفلول الهاربة من ذوي الرتب الكبيرة من أنصار الانقلاب، تعود الى صنعاء" لترتيب أوضاعها "حاملة بين جنباتها بذور الحقد والغدر والخيانة نحوأولئك الأبطال من صغار الضباط وشباب المقاومة الشعبية... الذين اكتسبوا محبة الملايين ... وبدأت الخسة والنذالة تكشر عن أنيابها، الخبيثة مرة أخرى فبدأت المؤامرات تحاك للقضاء على أبطال حرب السبعين يوما".
كان فرار هؤلاء الأدعياء من المعركة هو الذي فرض إسناد قيادة معظم القوات الى الضباط الصغار، وكان معظم هؤلاء الضباط من المناطق شافعية المذهب، فأستل هؤلاء سلاحا خطيراً طالما كان سنداً للأئمة في معركة ضرب اليمنيين، وكانت النعرات الطائفية سلاحهم الأثير لبدء معركتهم الخاصة لاستعادة ما يعتقدون أنها سلطة تخصهم.
في الكتاب محدود الإنتشار الذي تبقى من رواية الزعيم عبدالغني مطهر، يشير الرجل الى لجوء تلك القيادات العسكرية الفارة من المعركة الى استخدام الورقة الطائفية لتأليب الناس ضد أبطال معركة السبعين الجمهوريين.
" بدأوا يوسوسون في صدور الناس ويرددون همساتهم الخبيثة، في كل مكان بأن الشوافع، قد أصبحوا هم المسيطرين على مقاليد الأمور في القوات المسلحة، وانهم سوف يقضون على جميع الزيود " هذا ما يؤكده الرجل الذي عاش مرارات المرحلة ودفع كل أمواله لمساندة الثورة والجمهورية فانتهى منفياً، بينما سبقه آخرون الى التصفية والقتل.
لقد كان الفريق حسن العمري أحد أركان انقلاب 5 نوفمبر، وكان في القاهرة حينما تم استدعاؤه مع اقتراب حصار السبعين يوما من الشهر، وتم تعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة، ورئيسا للوزراء، وكان واحدا من صناع ملحمة السبعين، لكن نزعته الطائفية تغلبت على مواقفه، حين انضم " الى فريق المتآمرين الحاقدين متأثرا بالنعرة الطائفية" وفقا لكتاب الزعيم مطهر.
كان على رأس هذه المجموعة الفارة التي عادت لتسوية حسابها مع ابطال الجمهورية العقيد علي سيف الخولاني الذي رفض قيادة المعركة ضد الملكيين في ذروة حصار صنعاء.
لقد خاضت هذه المجموعة حربها التحريضية ذات الطابع الطائفي ضد قادة وحدات الجيش الجمهوري وبين أفراده، ، فوصلت الى القرى والمساجد وخطب الجمعة متماهية مع خطاب الملكيين، " فنجحت في غرس بذور الكراهية في نفوس العديد من الإخوة في صنعاء نحو كل شافعي ، وكان طبيعيا أن يكون الشر والغدر هو الحصاد المشؤوم لتلك المؤامرة الدنيئة" طبقا للزعيم مطهر.
في 18 مارس 1968 بينما كان القائد عبدالرقيب عبدالوهاب، على رصيف ميناء الحديدة يقوم بممارسة مهامه كقائد لأركان الجيش ويستلم شحنة سلاح، رفقة القائد علي مثني جبران، قدم الى المكان الفريق حسن العمري، يصاحبه العقيد الفار من المعركة علي سيف الخولاني.
وقد افتعل الخولاني مشادة مع قائد معركة النصر عبدالرقيب عبد الوهاب، والثابت وفقا لروايات كثيرة أنه أطلق وصفا عنصريا ضد القائد علي مثني جبران ووصفه بابن الحبشية، معيرا إياه بأمه التي أرضعت المناضل الصلابة والوفاء لبلده ، وقد عرفته معارك السبعين، بطلا يذيق الملكيين الويلات، بينما كان الخولاني يمني الأبوين، يفر كأي مهزوم من معركة لم تبدأ بعد.
طبق الروايات فقد بادر الفريق العمري الى استخدام وصف مناطقي ضد القائد عبدالرقيب عبدالوهاب، وغادر الميناء، ليوجه قوات عسكرية بقصف مقر المقاومة الشعبية التي شاركت بفعاليه في معركة النصر السبعيني الى جانب عبدالوهاب، ليبدأ فصل المؤامرة الأكبر ضد الجمهورية التي انتهت الى مسخ.