واشنطن بوست: تهريب النفط الإيراني إلى اليمن مزدهر بين المياه الإيرانية والإماراتية
الثلاثاء 04 يناير ,2022 الساعة: 08:28 مساءً
الحرف28- متابعات- القدس العربي

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسلتها في دبي كيتي ماكيو تحدثت فيه عن عمليات تهريب النفط الإيراني التي تتم عادة في الليل. ونقلت روايات بحارة حول كيفية التهريب، مشيرة إلى أن “عمليات النقل السرية تحدث عادة في الليل لتجنب اكتشاف خفر السواحل لها. وعادة ما ترسو السفن في المياه الدولية خارج حدود المياه الإقليمية للإمارات العربية المتحدة ثم تأتي بعد ذلك قوارب صغيرة وبشكل فردي حاملة الديزل الإيراني المهرب إلى سفن تنتظر حسب بحارة شاهدوا التجارة”.
وقال بحار إيراني عمره 27 عاما “إنها شبكة كبيرة بقوارب صيد تبحر لنقل الديزل إلى ناقلة النفط التي تنتظر. وعادة ما يستغرق تحميل النفط ما بين 4 إلى 5 أيام لأن القوارب تأتي منفردة”. وقال البحار إنه يعمل في شركة مقرها دبي تقوم بتهريب النفط الإيراني إلى الصومال. وتضيف الكاتبة أن رواية هذا البحار عن التجارة غير الشرعية هي واحدة من 5 روايات قدمها مواطنون هنود عملوا على السفن التي شاركت في هذه التجارة السرية، مشيرة إلى أن التجارة غير الشرعية هذه زادت وتيرتها عقب خروج إدارة دونالد ترامب من الاتفاقية النووية عام 2018 وإعادة فرض العقوبات على إيران ومنع تصدير النفط الإيراني.
وتضيف ماكيو أن عملية تهريب النفط الإيراني موثقة وأثارت توبيخا وشجبا من الولايات المتحدة إلا أن روايات البحارة هؤلاء قدمت رؤية نادرة من الداخل حول النشاطات وطريقة القيام بها. وقال بحار هندي عمره 28 عاما وعمل مع شركتين قامتا بتهريب النفط في الفترة ما بين 2016- 2020، إن ناقلات النفط عادة ما ترسو في المياه الدولية التي تفصل ما بين إيران والإمارات، ذلك أن “المياه الإقليمية الإماراتية تنتهي بعد 12 ميلا ولهذا تقترب السفن الإيرانية إلى ما بين 14- 20 ميلا قريبا من الإمارات” و”تقوم بوقف نظام إي أس أس (نظام التعريف الآلي) حتى لا تتم ملاحقتها وعندما تشاهد خفر السواحل الإماراتيين تتوقف وتهرب”. وبالإضافة لعمليات النقل الليلية البحرية، فإن السفن المحملة بالنفط الإيراني الذي ستنقله إلى الأسواق العالمية يتم تصديره عبر ناقلات تبحر من إيران بشهادات منشأ مزورة لتظهر أن النفط جاء من العراق أو الإمارات، وذلك حسب بحار ثالث و3 خبراء في شؤون الطاقة.
وكانت هذه التجارة مربحة نظرا لهامش الربح الكبير فيها وحتى قبل خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية. ويعتبر النفط الإيراني من أرخص الوقود في العالم نظرا للكلفة القليلة في إنتاجه والدعم الحكومي الكبير والعملة الضعيفة. لكن فرض العقوبات من جديد منح هذه التجارة غير الشرعية دفعة حيث حاول المهربون تفادي القيود على الصادرات النفطية. وهذه القيود هي محل نقاش بين إيران والقوى الدولية بشأن البرنامج النووي في المفاوضات المنعقدة الآن في فيينا.
وبحسب كورماك ماغاري، مدير شركة “كونترول ريسكس” فـ”عملية نقل النفط الإيراني المفروض عليه قيود تحدث على قاعدة أسبوعية”، مشيرا إلى وجود “محفزات مالية وطلب، ولهذا تعثر إيران على طرق للتحايل على العقوبات، وسياستها الحفاظ على السرية المطلقة، ولا يكشفون الطريقة التي يقومون بها”.
وبحسب محللين متخصصين في صناعة الطاقة والأمن الإقليمي فإن عناصر من الدولة الإيرانية وبخاصة الحرس الثوري وشركات ملاحة خاصة مقرها في دول الخليج، تشترك في عملية التهريب. ويقولون إن الحرس الثوري يحاول اعتراض من يحاول الحصول على حصة من التجارة بدون إذن منه. واتهمت وزارة الخزانة الأمريكية الحرس الثوري بالحصول على المال من تهريب النفط ومنتجاته. وقال المسؤولون الإيرانيون في السابق إنهم يعارضون تهريب النفط، ولكن وزارة الخارجية الإيرانية لم ترد على أسئلة الصحيفة. وقال أندرياس كريغ، المحاضر البارز في كينغز كوليج بجامعة لندن “يمارس المكون البحري في الحرس الثوري الإيراني رقابة متشددة على الحدود البحرية وكذا المنشآت في الموانئ. ويتم منح الكثير من الأشخاص الرشاوى، فمؤسسة الحرس الثوري ينتشر فيها الفساد” و “لو نظرنا إلى الكميات التي يتم تهريبها كل عام من إيران فإننا نتحدث عن ملايين البراميل”.
وأشارت الصحيفة إلى مداهمة مخيفة وصف فيها ديباك فيرما ما حصل له. فقد طلب منه البقاء في مكانه عندما داهم 6 رجال مسلحين سفينته “أم في أسفلت برنسيس” وقدموا أنفسهم على أنهم عناصر من الجيش الإيراني. وحذر قائد المجموعة أي شخص من الكشف عن أي شيء “فسنقتله، وجلسنا على الأرض وأيدينا مقيدة لظهورنا”، حسبما قال فيرما، الذي كان بمثابة المهندس الثاني على السفينة “وسأل إن كان هناك ديزل في السفينة ولم يرد أحد”. وقبل ساعات من ذلك اليوم في آب/أغسطس أبحر قارب صغير من إيران باتجاه أسفلت برينسيس ونقل الديزل إلى حاوية التخزين، وذلك من أجل بيع النفط إلى القوارب الأخرى لبيعه في الخارج. وطلب المهاجمون من طاقم السفينة التحرك بها نحو إيران، لكن الطاقم ومعظمه من الهند وسيرلانكا حاول تجنب الأمر وقالوا إن السفنية تعاني من مشاكل وقد تندلع فيها النار. وبعد ذلك غادر الفريق السفينة في الساعات الأولى من الصباح ولأسباب غير معلومة. ويعلق فيرما “كان ذلك الوقت مخيفا”.
وأصدرت عمليات التجارة البحرية البريطانية بعد ذلك إنذارا قالت فيه إن الحادث كان عملية اختطاف محتملة. وأثيرت الشكوك من أن الجهة التي تقف وراءها هي الحرس الثوري. وبحسب كريغ، فالحرس الثوري يقوم باحتجاز واختطاف سفن عندما تحاول تهريب النفط بدون إذن منه فـ “عندما يحتجز الحرس الثوري السفن، فهذا يشير إلى أنه يفعل هذا بدون مصادقة من الجهات العليا التي تريد أن تحصل على المال من التهريب”، وهي عمليات “مهمة من ناحية السمعة الدولية نظرا لوجود اتهامات حول قيام الإيرانيين بمساعدة المهربين في التحايل على العقوبات”.


ويقول هؤلاء البحارة غير فيرما إن شركة “برايم تانكر” التي تتخذ من دبي مقرا لها والمالكة لأسفلت برنسيس متورطة في تحميل النفط الإيراني على سفينتين أخريين. وفي 2019 احتجز الحرس الثوري سفينة أم تي ريا التابعة لبرايم تانكر بتهمة تهريب النفط. وتظهر وثائق السفينة التي اطلعت عليها واشنطن بوست، أن أسفلت برنسيس قامت خلال عام 2021 بنقل منتجات نفط مكررة مثل بيتومن وزيت معالجة المطاط التي تشملها قائمة العقوبات الأمريكية إلى كل من عمان والصين. ولم ترد الشركة على أسئلة الصحيفة للتعليق.

ويقول فيكاش ثاكور، وهو بحار هندي بخبرة عقود من الزمان إن هناك خطورة في الكشف عما شاهده البحارة في الخليج “البحارة لا يتحدثون عن هذه الأشياء، فهم خائفون”. ولكن من الصعب، كما يقول ثاكور، التعتيم على هذه التجارة التي تجري في الظل، فالبحر ما بين مضيق هرمز وموانئ دبي والسعودية حافل بالقوارب التي تنقل البترول المهرب إلى السفن الكبيرة. ويتم في بعض الأحيان تخزين البترول لفترة مؤقتة في ميناء الشارقة حيث يتم تزوير الوثائق وإظهار أنه من العراق، ولم ترد هيئة ميناء الشارقة على أسئلة الصحيفة.


ويقول أندي بومان، المدير الإقليمي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا بجمعية “ميشين تو سيفييررز”: “إنه سر معروف عن مرور المواد المهربة لكن لا أحد يذكرها بالاسم”. وأضاف أن “المياه من عجمان إلى إيران مزدحمة في الليل تحديدا حيث تقوم قوارب بالتحرك في أوقات غير عادية ولا تعود إلى الميناء ولكنها تتخلص من حمولتها أو ترتبط مع سفن أخرى راسية”. ويقول سمير مدني، مؤسس “تانكر تراكر دوت كوم” إن النفط يتم نقله من هناك إلى دول مثل اليمن والصومال. وأضاف أن الطريقة التقليدية هي وقف محرك التعريف الآلي والمضي لأسابيع في الظلام قبل أن تعيد تشغيل المحرك من جديد، حيث يتساءل الجميع من أين حملت بضاعتك. ويقول ماغاري من “كونترول ريسكس” إن إطفاء محرك التعريف الآلي هو بمثابة خرق لقوانين الملاحة الدولية ودليل على نشاطات غير مشروعة. وقال “بسبب هذه الثغرات في محرك التعريف الآلي فمن الصعب اكتشاف مكان لقاء هذه السفن، وعندها نبدأ بفقدان المسار الذي نقلت المواد المهربة لهذه السفن”. ويقول إن غياب الشفافية يعرض سفن النقل للخطر لأنها قد تنقل نفطا يبدو من مصدر مشروع لكنه يقع ضمن قائمة العقوبات الأمريكية، مما يعرضها إلى عقوبات.
وبالنسبة للبحارة فالحرس الثوري والقراصنة يمثلون خطرا ولهذا يحملون كميات كبيرة من المال حالة دعت الحاجة إليها. وقال إندراجيت راثولد، 30 عاما، وعمل في تهريب النفط لليمن ما بين 2017- 2020 إن سفينته كانت تحمل معها 10.000 دولار للرشاوى. وقال ثاكور إن قبطان سفينته يحمل عادة 50.000 دولار. وقال ثاكور “الطريقة الوحيدة لجعل الإيرانيين يتركون السفينة هي دفع القبطان المال لهم” و “المال يحمي البحارة من التعذيب، لأنه (الحرس الثوري) لا يتصرف بإنسانية ويبدأ دائما بالضرب”.


Create Account



Log In Your Account