اليمن في صراع الكبار.. مقايضات دولية بالملف اليمني في الحرب الروسية الأوكرانية  (تحليل حصري للحرف28)
الأربعاء 09 مارس ,2022 الساعة: 09:52 مساءً
الحرف28 - تقرير خاص

لم تحسم روسيا الحرب في أوكرانيا كما كانت تتوقع تقارير الاستخبارات الغربية وخاصة الأمريكية بالسرعة المطلوبة. 

وأدت المقاومة الأوكرانية التي تدافع عن كييف عاصمة الدولة إلى توظيف الغرب كل شيء ممكن ضد روسيا في جميع أنحاء العالم. 

شملت المواجهة الأمريكية للروس فرض عقوبات هائلة على موسكو ابتدأت من الإدانة الدولية في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى العقوبات الاقتصادية والمالية والرياضة والطيران ولم تنتهي بالقطط التي ولدت أو تربت في روسيا. 

لكن التحول الأهم هو في الامتناع عن استيراد الطاقة الروسية من قبل عدد من الدول الغربية خاصة أمريكا وستحذو حذوها على الأرجح  دول الاتحاد الأوربي التي تعتمد على 40% من النفط والغاز القادم من روسيا. 

وقال صحفيون روس ومحللون إن العقوبات الغربية رغم قساوتها لن تؤثر على سلوك روسيا تجاه اليمن والخليج العربي إلا إذا ألقى الغرب قنبلة نووية اقتصادية على روسيا بحظر النفط الروسي أو فرص عقوبات عليه. 

وقد فجر الغرب قنبلته النووية الإقتصادية فعلا، وبدأت آثارها في رسم ملامح معركة قاسية وشاملة. 
تمتلك روسيا وفرة من النفط والغاز الطبيعي والمعادن النفيسة، تشكل حصة كبيرة من صادرات البلاد مترامية الأطراف كقارة. 

اعتبارا من 2012،  صار يمثل قطاعا النفط والغاز 16٪ من الناتج المحلي الإجمالي، الروسي و 52٪ من عائدات الميزانية الفيدرالية وأكثر من 70٪ من إجمالي الصادرات. 

انعكاس الصراع في أوكرانيا على الملف اليمني
امتنعت الإمارات العربية المتحدة ممثل المجموعة العربية في مجلس الأمن في شهر فبراير الماضي عن تأييد قرار أمريكي يأسف لما سماه الغزو الروسي ضد أوكرانيا.


وقد حدث ذلك مقابل صفقة مع الإمارات التي وقفت خلف القرار 2624 الذي صاغته بريطانيا مسؤولة الملف اليمني في المجلس وأيدته روسيا، يصف جماعة الحوثي بالإرهابية ويحظر تسليحها كمجموعة بعد أن كان الحظر يقتصر على  بعض قادة المليشيا فقط.
 

قادت المقايضة بين الإمارات وروسيا إلى إغضاب واشنطن،  فوصفتها صحف أمريكية بالصفقة القذرة. 

لكن توظيف طرفي الصراع في أوكرانيا: الولايات المتحدة والغرب من جانب  ،  وروسيا من جانب آخر ، استدعى وضع الملف اليمني على طاولة قمار بين طرفي اللعبة وأتباعهما.
كانت موسكو قد أطلقت تحذيرا لدول الخليج النفطية  بأن أي محاولة من  قبلها لتغطية أو الحلول محل النفط والغاز الروسي ستعتبره إعلانا مباشرا للحرب ضد روسيا،  وسترد عليه بقصف من قواعدها في سوريا ومن البحر المتوسط. 

في المقابل  انقسم المسؤولون في الولايات المتحدة تجاه الضغط على الخليج وإمكانية إشراكهم في الحرب ضد الروس عبر الطاقة.

وقد سعت الإدارة الأمريكية لتنسيق المواقف وضم الخليج الى حرب الطاقة، لكن الباب ظل مشروطا على الأرجح بحسابات تخص الرياض وابوظبي على ما نشرت وول ستريت جورنال. 

تواحه واشنطن تداعيات حرب مقاطعة الطاقة الروسية التي أعلنها بايدن،  فقد  ارتفع سعر الجالون من الوقود في أمريكا إلى أكثر من 4 دولارات مقارنة بأقل من دولارين قبل فبراير الماضي، وهو ما يدفع واشنطن الى استدعاء تحالفاتها الخليجية لضخ المزيد من النفط وتعويض النفط الروسي المحظور. 

بحسب التقارير التي رصدها الحرف 28 فقد، بعثت الإدارة الأمريكية مسؤولي الطاقة في مجلس الأمن القومي ومسؤول الشرق الأوسط في المجلس إلى السعودية مرتين على الأقل منذ بداية السنة الجارية لحث السعودية على توفير البدائل ومواجهة ارتفاع الأسعار عبر تكثيف الإنتاج والتصدير. 

السعودية تفاوض بالملف اليمني
وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية فإن الإدارة الأمريكية حاولت ترتيب  اتصالين هاتفيين من بايدن بداية فبراير الماضي لحشد موقف دولي يعاقب روسيا إذا غزت أوكرانيا، لكن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد رفضا الاتصال. 

وكان بايدن قد حاول الاتصال متنازلا عن أهم وعوده في السياسة الخارجية بنبذ السعودية على خلفية صراعها في اليمن وتحميله بن سلمان مسؤولية قتل خاشقجي. 

عاد بايدن نهاية فبراير الماضي واتصل بالملك سلمان، و كان الرئيس الأمريكي يقول إنه لن يتصل بحكام السعودية إلا بالملك فقط باعتباره نظيره، بينما يعد الغرب محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة. 

لم يحقق الاتصال بين بايدن وسلمان النتائج التي تتوقعها الإدارة الأمريكية، وقالت السعودية عقب الاتصال إنها ملتزمة باتفاق أوبك بلس بينها وبين روسيا على عدم أي تغيير في الاتفاق القاضي برفع الإنتاج كما هو مخطط من قبل  ب 400 ألف برميل يوميا ابتداء من أبريل المقبل، ما يعني أن أسعار الوقود التي وصلت حاليا إلى أكثر من 130 دولار مقابل 90 دولار قبل الحرب في أوكرانيا سيواصل ارتفاعه. 

وبحسب وول ستريت فإن بن سلمان طلب ثلاثة شروط للاستجابة للمطالب الأمريكية تتمثل بدعم التحالف في اليمن، ودعم المشروع النووي السعودي، وتوفير حصانة قضائية لولي العهد بن سلمان في المحاكم الأمريكية. 

ليس معروفا على وجه الدقة ما الذي تريده الرياض في الملف اليمني، فرغم أن واشنطن اعلنت وقف دعمها العسكري للرياض لكن أخبار صفقات التسلح لم تتوقف بالإضافة إلى الأدوار اللوجستية المستمرة لقوات واشنطن في غرفة عمليات الحرب بالرياض. 

وبينما تتقاسم الرياض وابوظبي التصرف بالملف اليمني في المناطق الخاضعة اسميا لسيطرة الحكومة الشرعية فإن لدى الحليفين ايضا لعبتهما الخاصة في توظيف الورقة  اليمنية ضمن الصراع الدولي الأكبر بين واشنطن وموسكو. 

ومع الشرارة الأولى للحرب بين أوكرانيا وروسيا، وظفت ابوظبي علاقتها مع موسكو، باتاحة اتصال عبر الفيديو بين رئيس المجلس الإنتقالي الجنوبي الموالي لها عيدروس الزبيدي الذي يطالب بفصل الجنوب، وسفير موسكو لدى اليمن. 

لم يخل الأمر من رسالة مقصودة من أبوظبي كما اتاحت لذراعها، مغازلة نزعة موسكو لدعم الكيانات الانفصالية كما حدث في اقليم دونباس الأوكراني. 
وأردفت ابوظبي ذلك المسعى بإتاحة لقاء مباشر بين الزبيدي وسفير موسكو لدى ابوظبي في محاولة لتوظيف نفوذها ضمن المعركة المشتعلة بين واشنطن وموسمو، وإتاحة الملعب اليمني للمزيد من الاستقطاب الدولي. 

ووسط كل ذلك تبدو الحكومة اليمنية الشرعية عاجزة تؤدي دور كومبارس لا يتجاوز شرعنة التصرف السعودي الآماراتي، رغم أن الأزمة العالمية تتيح لها التفاوض مع القوى الدولية وتحسين موقفها والحصول على دعم يتجاوز الرياض وأبوظبي.

الديمقراطيون يردون عبر اليمن:
وفي لعبة الشد بين واشنطن والخليجيين، غير بعيد عن اليمن، دعا أعضاء ديمقراطيون في الكونجرس الأمريكي إلى سحب بطاريات الدفاع الأمريكية من السعودية المتبقية فيها ولم تسحبها واشنطن في يونيو من السنة الماضية. 

وقال العضو في الكونجرس رو خانا إن على واشنطن أن تسحب بطاريات الباتريوت التي تتصدى للهجمات الحوثية الصاروخية والمسيرة وأن تسحب القواعد الأمريكية كذلك من السعودية التي وصفها بأنها الضامن بنسبة 100% لأمن السعودية ردا على إهانة ولي عهدي السعودية وأبوظبي لبايدن. 

بينما دعت النائبة إلهان عامر إلى عدم استبدال الطاقة السعودية بالروسية فكلا البلدين مستبدان من وجهة نظرها. 

اختلاف جمهوري
اما في الضفة الجمهورية فقد قال نائب لجنة الاستخبارات بالشيوخ الأمريكي إن على إدارة بايدن ألا تتوقع انحيازا من السعودية والخليج ضد الهجوم الروسي بينما اعتمدت واشنطن سياسة ضبط النفس عند الهجمات الإيرانية على الخليج. 

          بين ضفتين .. إجهاد وتحمل 

قالت الخارجية الإماراتية وفق ما نقلت رويترز إن علاقات أبوظبي بواشنطن في مرحلة تحمل وإجهاد إثر الموقف الأمريكي من الهجمات الإيرانية عليها عبر مليشيا الحوثي وجماعة مسلحة تعمل بالواجهة عن الحشد الشيعي العراقي الموالي لإيران وواشنطن في العراق. 

ورفضت واشنطن الدفع قدما باتجاه إعادة تصنيف مليشيا الحوثي جماعة إرهابية وفرضت عقوبات مالية محدودة على شبكة معقدة تابعة للحرس الثوري الايراني تمول مليشيا الحوثي ولها فروع عدة في دول بينها اليمن والإمارات واليونان. 

أما بن سلمان فقد قال إن العلاقة بينه وبين بايدن غير مهمة والأمر في تحديد المصالح الأمريكية في الخليج تقع على عاتق الإدارة الأمريكية الحالية لتحسينها أو أو لإسعاد القوى الكبرى في الشرق، في إشارة واضحة للصين الخصم الرئيسي للولايات المتحدة. 

إلى أي مدى يمكن توظيف الصراع في اليمن في تغيير المواقف بشأن الصراع في أوكرانيا؟. 

تذهب استطلاعات الرأي التي نشرتها نيويورك تايمز هذا الأسبوع أن معظم الأمريكيين يقبلون ارتفاع الأسعار في الوقود مقابل المواجهة مع روسيا وحظر استيراد الطاقة منها، وهو ما اتخذه بايدن بالفعل أمس الثلاثاء، ويبلغ 10% من حجم الاستيراد في أمريكا من الطاقة، وتحاول واشنطن تعويض ذللك بنفط من فنزويلا وإيران، ومهدت لذلك برفع بانتهاء مفاوضات الخبراء في الملف النووي الإيراني، الذي تحولت روسيا إلى معارض له مؤخرا بفعل الصراع في أوكرانيا. 

ويقول محللون إن ارتفاع أسعار الوقود قد يصل إلى 200 دولار للبرميل نهاية 2022، وتقول روسيا إنه سيبلغ 300 دولار إن فرضت عقوبات غربية عليه. 

وتحتم المنافسة في الانتخابات النصفية للكونجرس أن يوظف الجمهوريون ارتفاع أسعار الطاقة للفوز بالأغلبية في مجالس الشيوخ الأمريكي. 

محليا انحاز الحوثي إلى الروس عبر تقديمهم مبادرة في منتصف يناير الماضي للسفير الروسي تشرح رؤيتهم لحل الصراع في اليمن، لكن الروس لم يكشفوا فحوى الرسالة وهددوا بإشارة واضحة أنه يمكنهم توظيف الحوثي في شن هجمات صاروخية على منشآت النفط في الخليج. 

رغم مزاعم الصراع مع إيران، تتماهى ابوظبي مع ذراع طهران المحلي الحوثيين، من خلال تحريك ذراعها الآخر في الجنوب، المجلس الآنتقالي، بتكثيف التحركات وفتح قنوات الاتصال مع موسكو. 

وقد دعا عيدروس الزبيدي في الاتصال المرئي مع الجانب الروسي بصورة صريحة موسكو إلى لعب دور في المشهد اليمني والأخذ بالإعتبار حقائق الارض، في إشارة الى سيطرة فصائله الموالية للإمارات شبه الكاملة على المحافظات الجنوبية، وهي الحقائق ذاتها التي تجعل من الحوثيين أصحاب السلطة المناظرة في معظم المحافظات الشمالية. 

وسط ذلك بدأت أمريكا في ما يشبه الابتزاز للرياض بالإعلان عن هجوم صاروخي حوثي هو الأول هذا العام على سفينة شحن في البحر الأحمر لم يصب هدفه. 

وبينما أيدت الحكومة الشرعية الضعيفة والغائبة عن المشهد في الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدين الغزو الروسي لأوكرانيا،  فإنها امتنعت عن تبني وجهة النظر الغربية رغم ضغوط الاتحاد الأوروبي عليها، اتساقا مع موقف الرياض وابوظبي من الأزمة. 

وتخشى الحكومة من انقسام في مجلس الأمن بين روسيا والغرب يؤثر على الصراع في اليمن بعد سنوات من وحدة المجلس نظريا بالوقوف إلى جانبها، رغم أنها لا تفعل شيئا غير التصرف كرجع صدى للرياض وابوظبي اللتان جعلتا من الملف اليمني ورقة للمساومة في أزمة دولية طاحنة، توشك أن تفجر حربا عالمية ثالثة.


Create Account



Log In Your Account