القاتُ لَيس خَمرةَ اليمنيين ( قراءةٌ تاريخيّة غيريّة ) (1-5)
الثلاثاء 24 سبتمبر ,2024 الساعة: 09:01 مساءً

من يُصدّق أنّ عالمَ السلفيةِ الأكبِرِ، والمُجدّد في دين الله محمد بن علي الشوكاني (1759- 1834 ) كانت الصلاة تحلو له والقاتُ في فمه، ولم يُنكرْ عليه حينها أحدٌ، ولن يغامر على تقليده العلماءُ إلا بعضُهم لكن في السرّ.... لا أجرؤ على القول إنّها من سقطات الشوكاني المعدودة؛ إنما أحترم رأيه كبيرا عندما يكتب:

:" وأمّا القاتُ فقد أكلتُ منه أنواعاً مختلفة وأكثرت منها فلم أجد لذلك أثراً في تفتير ولا تخدير ولا تغيير". ثم يعرضُ لتلك الأبحاث الطويلة التي كانت بين جماعة من علماء اليمن عند ظهوره، لكنّه يُنكر على أولئك العلماء من غير اليمنيين وخصوصًا ابن حجر الهيثمي في مكة ويراه قد ". تكلم فيها بكلام من لا يعرف ماهية القات" يهرف بما لا يعرف...

وحتى ابن الأمير الصنعاني ( 1687- 1768 ) أستاذ الشوكاني، وهو من العلماء الأفذاذِ، يُروى أنه كان (مولعيًّا) من الطراز الأوّلِ، لكنَّ الأخبارَ لم تؤكد أنّه كان يُصلي والقات في فمه كما الشوكاني قدّس الله سرّه!... ولي ملاحظة على صحة الرواية أصلًا! ... لكن القاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس الجمهورية الأسبق صلّى وفي فمه القات وحاجج أنّ الخشوعَ في القلب لا في الفم رغم نقمة العمراني عليهما.

يبدو أنّ القات بعد أن صار (عُرفًا) شعبويًّا بين الناس بمرور الوقت تبنّاه العلماءُ واعتدّوا به، وإن لم يكونوا (موالعة) وجعلوه هويّة وطنية لهم واستماتوا في الدفاع عنه، لأنّهُ صار جزءًا من مكونات الشخصيّة اليمنية وثقافة الناس، وقد عاب أغلب علماء اليمن على العلماء من خارج بلادهم، حكمهم بتحريمه وتجريم متعاطيه ثم (الأصل في الأشياء الإباحة)، والقات كما أفتى اثناعشر عالمًا يمنيًّا نحريرًا(( حلال حلال حلال )) 1982... هكذا كتبوها وهكذا يطلبُ عُلماءُ اليمن الأفذاذ في برقيتهم المدروسة لأولئك المفتين بتحريمه أن يأتوا إلى اليمن ويذوقوا القات بأنواعه و(يخزِّنوا) ويضربوا المَدْكَى بجانب (مازن العكبور) ويحكموا بأنفسهم.

في رواية زُربة اليمني يتمنّى أن يموت وهو (مخزّن) كي يبعثه الله على ما مات عليه (مبحشمًا)... وكان له ما أراد... لكنّ زُربة اليمني لا يُشبهُ العكبور مُطلقًا.

هذا إمام اليمن المطهّر شرف الدين (1503-1572) في أوّل الأمر وظهور القات يُفتي بتحريمه ويأمر بقلعه من أماكن زراعته في اليمن الأسفل، ثم يتراجع عن فتواه، لنجدَ ولده العارف بالله الولي عبد الله بن شرف من أكبر الموالعة والعشّاق للقات يقول في قصيدته المشهورة مرغِّبًا فيه:

خُذْهُ لِما شئتَ مِنْ دُنيا وآخِرةٍ وجلبُ نفْعٍ، ودفعٍ للمَضرَّاتِ

ثم يرى أن كل الملذّات قد جُمِعت لهُ في القات من:

لِينُ القُدودِ وتلوينُ الخُدودِ وتنعيمُ الورودِ ولذات المذاقات

 لكنها (صرعةُ القات) جعلته يرى في وريقات القات وخطوطها المتعرّجة (أسماءَ الله الحسنى) وهذا أقل بكثير من شطحات بعض المتصوّفة الذين يرون في ورقة القات اسم الله الأعظم كما سنبيّن لاحقًا، وهذا ابن الإمام عبد الله مصروعًا بنشوة القات يقول:

 أمَا تَرى قلمَ الرحمنِ خطّ عَلى ألواحِ أوراقِه رسمُ الجلالاتِ

 أمّا الأتراك العثمانيون فلم يكونوا (موالعة) بالقات، فقد اُشيعَ أنّ لهم مشروباتهم الروحية الخاصة، ومع ذلك فإنهم أباحوا تعاطيه لبعض أفرادهم المندمجين والمصاهرين، بتعاطيه ولم يصنّفوه من المخدرات بعد أن فحصوه في الأستانة عام ( 1886).

إنما لماذا خجل الإمام يحيى حميد الدين (ت 1948) من شيوع قصيدته في مدح القات والموالعة التي ردّ فيها على قُسطنطين زُريق.

ومن هم أكابر الموالعة من زعماء اليمن الأفذاذ ومشاهيرهم وطقوسهم في القات، ولماذا لم يتغنَّ اليمنيون بشجرتهم المُقدَّسة منذُ فترة، وما عُقدة القات؟ وكيف فكَّك الأديبُ محمد مسعد العودي هذه العُقدة؟ ... في قادم الأيام بإذن الله



Create Account



Log In Your Account