كي لا نظلَّ أطفالًا!
الأربعاء 09 أبريل ,2025 الساعة: 08:42 مساءً

حَاضرنا امتدادٌ لماضينا، وتاريخنا - بسلبياته قبل إيجابياته - صنعه أجدادنا، لا العكس، والتغيير إلى الأفضل، والانعتاق من براثن الظلم والطغيان، لا يقوم به إلا من يملكون ذواكر حية، ويتعلمون من أخطاء من سبقوهم، ويَدرسون تلك الأخطاء جيدًا، ويعملون - وهو الأهم - على عدم تكرارها.

التاريخ - كما قال عبدالرحمن بن خلدون - امتداده للحاضر والآتـي، وبدون دراسته يصعب علينا فهم الحاضر، وترسُّم خطوط المُستقبل. ومن لم يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة يبقى - حد توصيف غوته - في العُتمة. كما أنَّ الاهتمام بالسياسة فكرًا وعملًا يقتضي - كما قال محمد حسنين هيكل - قراءة التاريخ أولًا؛ لأنَّ الذين لا يعلمون ما حدث قبل أنْ يُولدوا، محكوم عليهم أنْ يظلوا أطفالًا طـُول أعمارهم. 
     
وكما أنَّ فهم الجذور التاريخية لأي ظاهرة أمرٌ مُهم، فإنَّ عدمَ تجاوزها أمرٌ كارثي؛ بل يُشبه الدوران في حلقةٍ مُفرغة. ولا أسوأ من أنْ يظل المرء أسير مَاضيه، يُبالغ تارة بالتغني به، ويُبالغ تارة أخرى في ذمه، واعتباره قدرًا أسود لا مفك له ولنا منه. 

وبين المُبالغة والمُبالغة المضادة، غابت الحقيقة، وتلاشت القراءة المتأنية، وأضحى الخطاب الشعبوي - للأسف الشديد - هو المُتحكم الرئيس بالمشهد.

ولأنَّنا شعب مُتعصب حتى النخاع، وعَاطفي حد الثمالة؛ صرنا - باستثناء قلة قليلة - نكره الحقيقة، ونواجه من يقولها بسيل من الشتائم، والتخوينات، ولا نعترف بالخطأ، إلا في حالات نادرة، ونتلذذ - وهو الأقسى - بانتكاساتنا المُتتالية، وننتظر أي مصيبة لنبكيها بحرقة، ونتهم هذا، ونُخون هذا، ونَقطع الأمل من جُذوره، وكأنَّ القيامة قامت، وألا طريق مُعبد أمامنا للاستقرار.
     
ولإزالة هذه النظرة القاصرة، يجب علينا أولًا أنَّ نَعرف أنفسنا عزَّ المعرفة، وأنْ ننصت لمن يُحسنون قِراءة مَاضينا، وحَاضرنا، ويَستشرفون مُستقبلنا، ويواجهونا بعيوبنا قبل محاسننا. وأنْ نعترف - قبل هذا وذاك - بأخطائنا، وأنْ نتوقف عن مُمارستها، وأنْ نُدرك أنَّ الله الحليم الغفور لا يُساعد من لا يُساعد نفسه.
     
ولا أنسى - قبل أنْ أختم هذه التناولة - أنْ أُذكر بمقولة الفيلسوف الألماني هانريك ماركس بـ «أنَّ التاريخَ يُعيدُ نفسَه عند الأمم المُتخلفة». أما الأمُم الواعية فهي تدرس مَاضيها جيدًا، وتعمل على عدم تكرار أخطائه.
     
وفي المُقابل يقول القائل: «نحن شعبٌ مسكين، ينسى بسرعة، ويَغْفر حتى لمن أساءوا إليه»، تلك الميزة التي نتغنى بها، أو الذاكرة الذُبابية التي نتباهى بامتلاكنا إياها، تبقى مُصيبتنا الأزلية؛ وبها، وبسببها، ستبقى أخطاء من سبقونا تُعيد نفسها، ولن نخرج من هذه المَتاهة المُوحشة إلا بذاكرة حيَّة، تغفر ولا تنسى.

نَحـنُ لا سوانا أحوج ما نكون لمعرفة أنفسنا مَعـرفـة صحيحة، وشاملة، قائمة على التشخيص السليم، والبَحث في الجُـذور التاريخية لكل ظاهرة، والتمرد على كل ما هو سِلبي، لا الخضوع لذلك الشعور الضعيف الذي يرى أنْ لا فائدة من المُحاولة، وأنَّنا هكذا خُلقـنا.


Create Account



Log In Your Account