بلقيس و«الزرقة»، وقراءة التاريخ من زاوية واحدة
الأحد 10 أُغسطس ,2025 الساعة: 12:20 مساءً

ربما لأني مشاهداً مدمناً لقناة بلقيس الفضائية وأعتبرها نافذة مهمة لقراءة المشهد اليمني أجد من الضرورة أن أتحدث عن قضية مهمة لاحظتها وأنا اتابع حلقات «برنامج الشاهد» والذي يعده ويقدمه الصحفي «أحمد الزرقة» مدير القناة الحالي، وقدّم منه مواسم متعددة استضاف فيها شخصيات كانت جزءً من صناعة المشهد اليمني في حقبه المتلاحقة، وتمثّل هذه الاستضافات أحد مداخل قراءة وتحليل التاريخ اليمني الحديث، لكنّ الذي لم أجد له تفسيراً أن جميع من استضافهم خلال المواسم المختلفة يمثلون تياراً أو لوناً سياسياً واحداً فقط!، ومن المعيب بحق الصحفي أن يسعى لفرض قراءة من زاوية واحدة للأحداث، وكأنه يريد أن يقول أن هذا التيار يمتلك الرواية الكاملة المؤكدة دون غيره.

لا يوجد مبرر بالمطلق يسمح باحتكار رواية التاريخ على جماعة أو لون سياسي أو أيدلوجي، وكل من شارك في الأحداث أو حتى عاصرها فهو أحد رواتها الموثوقين، لكن حين نقصر تناولاتنا لاتجاه واحد فستكون الحقائق ناقصة أو مبتورة، وعلى افتراض صدق الرواي -مع أن الصدق نسبي وخاصة في الوسط السياسي-  لكن زوايا التناول لن تكون كاملة، وبالتالي فالرواية بهذه الكيفية لا تقدم التاريخ على حقيقته، لكن على ما يراه المتحدثون ماداموا يمثلوا تياراً واحداً، أو تيارات متداخلة ومتكتلة ضمن اتجاه فكري وأيدلوجي واحد .

وحتى لا يساء الفهم فإن انتماء الصحفي لأي من الأحزاب السياسية او التوجهات الفكرية لا يعد عيباً بحد ذاته، بل أنه من أبجديات المواطنة ومن أهم مظاهر الدولة المدنية، لكن العيب أن يتخلى الصحفي عن مهنيته ويتحول إلى أداة لتمرير روايات مبتورة يراد منها تكييف التاريخ وفق بوتقة معدّة سلفاً لا تراعي حق جميع المشاركين والمعاصرين للأحداث في تقديم روايتهم، والاكتفاء بسردية واحدة يتم تدعيمها بروايات متطابقة لكن من نفس التيار ومن ذات الزاوية، فتبدو للمتابع وكأنها حقيقة مطلقة، وقد لاتكون في الواقع كذلك .

صحيح أن الصحفي قد تواجهه صعوبات في الوصول إلى شخصيات تمثل تيارات مختلفة، وإقناعهم بالظهور الاعلامي، وتقديم روايتهم للاحداث التي عاشوها أو كانوا جزءً منها، لكن ذلك ليس سبباً كافياً لإهمالهم بل لابد أن يمتلك من يتصدى لمهنة الصحافة قدرة فائقة على الاقناع، وكاريزما تسهل له هذه المهمة، مالم يكن كذلك فهو يؤطر نفسه بين قوسي (المهمات السهلة) والصحافة لم تكن يوماً مهمة الكسالى بل مهنة المتاعب والمشاق، ولعلي استحضر هنا ما ذكره ذات مرة المذيع المصري «احمد منصور» أنه قد يحتاج لعامين كاملين لاقناع الضيف بالظهور في برنامجه الشهير «شاهدٌ على العصر» والذي كان يقدم على شاشة الجزيرة على مدى سنوات عديدة .

لا اعتقد أن فريق «قناة بلقيس» لا يدرك أن أبرز المخاطر التي تواجه الإعلام الوقوع في فخ الانحياز، وهو ما يُنتج وعياً ناقصاً لدى المتلقين لا يضر بهم فقط، بل بالمستقبل أيضاً، لأن الأجيال القادمة ستبني تصوراتها التاريخية على أساس رواية مبتورة، وهي جناية بحق العقل اليمني لا يليق أبداً بهذه القناة الرائعة أن ترتكبها.

وللتأكيد فأن «قناة بلقيس» ومالكتها الاستاذة «توكل كرمان» ومديرها وكل طاقمها الرائع هم محط الاحترام والتقدير، ولأن رسالة القناة الإعلامية تتقاطع مع الكثير من الآمال والطموحات التي نحملها أو نحلم بها، فمن الحكمة أن تظل صوتاً معبراً عن الجميع لا تجافي مهنيتها ولا ترى بعينٍ واحدة .

دمتم سالمين .


Create Account



Log In Your Account