الأربعاء 01 أكتوبر ,2025 الساعة: 07:58 مساءً

حاورتها: تسنيم الريدي
يعاني كبار السن من سلسلة من التحديات التي تثقل تفاصيل حياتهم اليومية، بدءاً من التدهور الصحي مثل ضعف البصر والسمع وآلام المفاصل، وصولاً إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة كارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب. وإلى جانب ذلك، ترافقهم معاناة نفسية واجتماعية تتمثل في مشاعر الوحدة والعزلة خاصة بعد فقدان شريك العمر أو ابتعاد الأبناء، فضلاً عن نقص الدعم المادي وضعف الخدمات المخصصة لرعايتهم. كل هذه الظروف تجعل من الضروري توفير رعاية خاصة واهتمام مضاعف لهم، يضمن لهم حياة كريمة تليق بعطائهم الطويل وتاريخهم المليء بالتضحيات.
وفي ظل الحاجة المتزايدة في الدول الفقيرة والتي تنهشها الحروب أو الكوارث البيئية والفقر، تغفل العديد من المؤسسات الخيرية عن رعاية هذه الفئة.
تواصلنا مع فيكي روب مدير البرامج الوطنية والدولية بمؤسسة لايف للإغاثة والتنمية Life For Relief and Development والتي وضعت برامجاً عملية وفعالة للمسنين رغم مسئولياتها العديدة في مشروعات وبرامج الإغاثة الطارئة حول العالم، وكان معها هذا الحوار:
ما سبب اهتمامكم ببرامج كبار السن رغم اقتناع البعض أنها ليست بالأهمية العظمي بجانب مهام الإغاثات العاجلة للكوارث البيئة وطوارئ الحروب؟
البعض يعتقد أن رعاية المسنين ليست بذات أهمية، أو أنها مسئولية أسرهم، أو الجمعيات الخيرية المحلية فقط، ورغم أن تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان تشير إلى أن كبار السن، ممن تجاوزوا سن الستين، يشكلون اليوم نحو 8% من إجمالي سكان العالم، وفي العالم العربي على وجه الخصوص، تتجه الأرقام إلى ارتفاع ملحوظ، إذ يُتوقع أن يقفز عددهم من نحو 27 مليون شخص عام 2015 إلى ما يقارب 50 مليوناً بحلول عام 2030، ثم ليتجاوز 80 مليوناً مع حلول عام 2045، لكن من اللافت للنظر أن بعض الدول العربية، مثل لبنان ودول الخليج وعدد من بلدان المغرب العربي، ستشهد للمرة الأولى ارتفاع نسبة المسنين لتفوق نسبة الأطفال دون سن الخامسة عشرة مع منتصف هذا القرن، بل وسيتصاعد بسبب انتشار الحروب والصراعات والتي غالباً ما ينتج عنها فقدان كبير في قطاع الشباب، وهم المسئولين عن رعاية آبائهم وأمهاتهم.
كيف تنسقون برامج رعاية المسنون في دول وأماكن وظروف بيئية وإنسانية مختلفة؟
لا يشترط أن تكون برامج رعاية المسنين في دور كبار السن فقط، فمن خلال برامج "لايف" في 60 دولة حول العالم عملنا فيها خلال 34 عاماً مضى نعمل على وضع المسنين ضمن قائمة أولوياتنا من خلال معظم تنفيذاتنا سواء في الإغاثات العاجلة، أو رعاية اللاجئين والنازحين أو البرامج المستدامة وتطوير المجتمعات، كالمشروعات الطبية وتوفير المياه النظيفة، والمشروعات الموسمية، وبرامج الدعم الأسري وحتى مشروعات كفالات الأيتام والتعليم تكون الأولوية للأيتام الذين يقوم كبار السن من الأجداد برعايتهم.
لكن في دور الرعاية نحرص على دعم كبار السن الأكثر ضعفنا واحتياجاً، بغض النظر عن دينهم، حيث يجدون في الجلسات الحوارية فرصة لمشاركة خبراتهم وحكاياتهم، ونوفر لهم وجبات غذائية صحية، وبرامج مثل ورش تعليم أساسيات التكنولوجيا للتواصل مع العائلة، وأنشطة وهوايات ترفيهية تتناسب مع قدراتهم.
لنلقي الضوء على أوضاع كبار السن في فترات النزوح أو في مخيمات الإيواء؟
تتعامل فريق "لايف" مع المسنين خلال إغاثات الكوارث البيئية خلال الأعوام الأخيرة مثلاً في زلازل المغرب ونيبال وأندونيسيا وفيضانات بنجلاديش وأفغانستان وليبيا واليمن، والصراعات مثلاً في ميانمار والسودان والحروب غزة وسوريا ولبنان ... كل هذا بالتوازي لأن الفرق الإغاثية مدربة بشكل جيد ومتفاني.
خلال هذه الكوارث يحتاج المسن للشعور أولاً بالأمان، وأن رجل الإغاثة بالكفاءة اللازمة لتقديم ما يحتاجه المسن، فنعمل أولاً على توفير الإيواء، ثم توفير الأدوية الأساسية، وتقديم فحوصات طبية دورية وخدمات علاج مستمر، ودعم توفير ممرضين أو فرق طبية متنقلة لمتابعة الحالات الحرجة. كما نعمل على تأمين وجبات غذائية متوازنة مناسبة لأعمارهم مدعمة بالفيتامينات بشكل دوري، ونوفر الملابس الثقيلة والأغطية خاصة في فصل الشتاء، بالإضافة لتقديم مساعدات مالية لتغطية احتياجات الحياة اليومية لكبار السن الذين يعولون الأيتام خاصة.
وماذا عن الاحتياجات النفسية لكبار السن بشكل عام؟
كبار السن في دور المسنين لديهم احتياجات نفسية تتعلق بالوحدة والعزلة والحزن، والتي قد تختلف بعض الشيء عن المسنين خلال الأزمات، لكن بشكل عام نحن لا نغفل عن الجوانب النفسية والاجتماعية من خلال تنظيم أنشطة وبرامج استماع وجلسات دعم نفسي تساعدهم على الاندماج والتخفيف من شعور الوحدة والعزلة، وإشراكهم في فعاليات مجتمعية تُشعرهم بقيمتهم.
وخلال الأزمات مثلاً خلال الشهور الماضية في الضفة الغربية قدمنا مشروع دعم كبار السن والذي كان بمثابة تسليط الضوء على الدور الحقيقي للمنظمات الإنسانية، وكان من خلال توفير الاحتياجات العاجلة للمسنين في بيت لحم وبين ساحور وبيت جالا، وكذلك في لبنان تم تقديم الرعاية الصحية للمسنين أصحاب الاعاقات لأنهم عزيزو النفس فلا يطلبون العون رغم أنهم الفئة الأكثر ضعفاً في دور المسنين.
وفي غزة نعمل على تقديم المساعدات الإغاثية والطبية ومستلزمات المواسم في مخيمات النزوح للأسر الأكثر تضرراً والتي غالباً ما تحوي كبار السن والذين يعانون الأمراض المزمنة، أو فقد الأبناء خلال الحرب.
كيف يشعر كبار السن " عزيزو النفس" خلال دعم المجتمع لهم كما تذكرين؟
فرق "لايف" تشاركنا دوماً هذه اللحظات المشاعرية الإنسانية الجميلة، فمثلاً أبو ناصر 71 عاماً من غزة كان يتحدث مع متطوعنا وكان يشكو له أن الحرب لم ترحم هرمه، فوجد نفسه مسئولاً عن 6 أطفال بعد وفاة أبنه وزوجته، وتوفير الطعام وأدوات العناية الشخصية والمياه حفظ قلبه من الخوف المستمر لأن يخرج حفيده الصغير للمخاطر ليعولهم جميعاَ، كما كان لتوفير "الحمامات" حماية لهم من الخجل هو ولزوجته في مخيمات "لايف"، وزهرة من موريتانيا 75والتي بلغت عاماً عندما تم توفير السلال الغذائية لها والتي تكفيها شهور كثيرة وفرنا عليها الاجهاد واذلال النفس الذي كانت تعاني منه.
وفي أفغانستان كانت فاطمة 73 عاماً خلال البث المباشر وقد خرجت من تحت أنقاض الفيضانات وكانت في هلع شديد ولا تقوى على الحركة ولا الكلام لكنها سعيدة بأنه وفرت لها لايف خيام الإيواء الكريم، كما عملت على توفير الرعاية الطبية والأدوية، وأيضاً أتذكر وجه عائشة جول من تركيا 67 عاماً عقب زلزال كهرمان مرعش والتي وجدت نفسها في العراء تواجه الخوف وبرد الشتاء القارس، وكانت في بهجة عارمة لأن "لايف" بعد النزوح تعقبتهم أين ذهبوا، ولأي ولايه نزحوا، وتكفلت بكل ما يحتاجه المتضررين بداية من الإيواء ومرروا بالأدوية والملابس والسلال الغذائية، حتى استقر وضعهم.
معظم كبار السن يشتكون إهمال أبنائهم، لكن كيف هو حال احتياج كبير المسن المسؤول عن أعالة من معه؟
هذا الإحساس يكون أصعب نظراً لضعف المسن، لأنه أصلا بحاجة لمن يتحمل مسئوليته، لا أن يتحمل هو مسئولية صغار، مثلاً أبو عامر 78 عاماً خلال افتتاح قرية لايف السكنية في سوريا وقد كاد قلبه يتوقف من البكاء خلال استلام بيته، وقد كان سعيداً لأنه كان خائفاً من أن يتجمد أحفاده برداً في مخيمات الشمال، فشعور الأمان كان احتياجه وقتها، وكذلك ومن السودان كانت الجدة إيمان 59 عاماً تصارع الموت مع ابنتها الحامل وأحفادها في العراء هرباً من الحرب، وفور وصولهم مصر تكفلناهم بالإيواء والطعام والأدوية ومتابعة حمل ابنتها.
وفي حالات أخرى مثلاً من الدومينيكان الجد " بيدرو" 71 عاماً وعينه تبرق بلمعان المياه العذبة وهو يرى أحفاده في سعادة لأن "لايف" عملت على إعادة تأهيل مدرستهم، والتي أعادتهم لصفوفهم الدراسية مجدداً، ووفرت عليه التواصل مع المتبرعين لاستجداء عطفهم بالمال لأجل أيتامه، فهذا أعطاه شعوراً بالعدل.