العلاج بالحرب
الثلاثاء 15 يوليو ,2025 الساعة: 05:57 مساءً



من ذا يصدق أن الحروب لها طابع إيجابي، وتكون هي المنقذ الوحيد حينما تصل الأمور بالبلدان إلى طريق مسدود، بعد استنفاد كافة وسائل اللين والترغيب والترهيب، ومحاولات الإصلاحات المجتمعية بالتي هي أحسن؟!
تعاني بلادنا من أفق مسدود في حلول الأزمة اليمنية التي طالت، وصار وضع اللاحرب واللاسلم مستنزفاً لليمنيين مرهقاً له وأكثر إعياءً من أوقات الحرب.

فحالة المنزلة بين المنزلتين أدت إلى شطر اليمن أشطاراً، وأضعفها أيما إضعاف، سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو الاقتصادي، وعلى رأسها انشطار العملة المرهق الذي دمر حياة اليمنيين على كافة المستويات، واختطاف جزء من اليمن من قبل العصابة الحوثية حرم المواطنين المشردين من ديارهم العودة إليها مع حنينهم الدائم لها، وعاثت فيها المليشيات الإرهابية الحوثية كل فساد.

أوجاع كثيرة لا تنتهي، وآلام متفاوتة تزداد كل يوم في جسد اليمن، وكل يوم يظهر مرض من الأمراض في هذا الجسد المعلول، وكلها تنبعث من ورم خبيث واحد لم يتم استئصاله، وهو السرطان الحوثي الذي لا يمكن التعايش معه إلى مالا نهاية.
وعلى الرغم من مظاهر المساعي السلمية لحل هذه الأزمة دولياً إلا أنه في حقيقة الأمر تلاعب بها وتعميق لها وزيادة التدمير لليمن دون أن تخرج اليمن من أزمتها إلى بر الأمان.

مع هذه الحالة تبقى وسيلة الحرب هي العلاج الفعال لتحريك العجلة الراكدة والتي يحسمها أحد الطرفين لصالحه، والوصول باليمن إما إلى حالة بيضاء أو سوداء يعرف معها كل مواطن أين يقف به الزمن وكيف يتعايش مع الحالة الجديدة. 
العلاج بالحرب منحها الله -سبحانه وتعالى- نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- في بدر للوصول إلى الغاية المرجوة بعد زمن من الوعظ والإرشاد المجتمعي والإصلاح بين الناس والوصول بهم إلى ثورة على الوضع، كما كانت الحالة في غزوة بدر الكبرى، بعد استنفاد كافة الوسائل السلمية التي لم تجد نفعاً مع تعنت أهل الجاهلية.

ولقد صور الله -سبحانه وتعالى- تلك الحالة التي وصل إليها المسلمون وتجنبهم الحرب بشتى الوسائل، والإعراض عنها، وتفضيلهم الغنيمة على الحرب، لكن الذي كلفهم ورعاهم وبعث فيهم رسولا من انفسهم وادرى بمصلحتهم من أنفسهم فرض عليهم الحرب وساقهم إليها سوقاً بعيداً عن رغبتهم وأمانيهم، فقال عن ذلك: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}الأنفال7، ففرض الله القتال لغاية جميلة وحسنة وإنقاذ للمجتمع وهي (وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)!

فقد أراد الله في حرب بدر أن بضع أسساً للدولة الإسلامية الوليدة في التعامل بحسم مع قريش لإعراضهم وتكذيبهم، ووضع هيبة للمسلمين، واسترداد بعض حقوقهم، وان التعامل بالوعظ والإرشاد وحده لا يكفي مع طرف متصلب ومتعنت يسلك كل سبيل لإيذاء المسلمين. 

وصل المسلمون بعد حرب بدر إلى حالة كبيرة من التقدم والاستقرار والعلو والهيبة بين مجتمعات الجزيرة العربية كلها حتى سمع بالانتصار الفرس والروم، وهي حالة الحسم والكي للجسم العليل، وكما قيل عند العرب قديما: "آخر العلاج الكي"!

وهو ذات الحل (الحرب) الذي أكد عليه الله في مواطن كثيرة كحالة إيجابية ومنقذة للمسلمين وليست كلها حالات سيئة ولا سلبية {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}البقرة216؛ فالحرب في أوقات كثيرة هي إنقاذ للمجتمعات لا تدمير لها كما يتوهم البعض، شريطة أن يكون القائمون عليها غايتهم الرحمة والإنقاذ، والحرص على حياة الناس، لا أن تكون الحرب لمجرد الحرب أو للدمار أو لتصفية حسابات معينة، أو للاستعلاء والانتقام والإخضاع للخصم؛ بل تكون من أجل إصلاح المجتمع، وإنقاذٍ لهم من التيه والضياع كحالنا اليوم، وأن يكون القائمون عليها المتصدرون لها يملكون مشروعاً نهضوياً تنموياً بانياً إيجابياً للبلاد.

في الحالة الطبية التي وصل إليها العالم اليوم من التطور فإن الصدمات الكهربائية التي تكون أحياناً وسائل للتعذيب عند المجرمين هي وسيلة إنقاذ حياة عنج الأطباء فيما يسمى العلاج بالصدمة، وهي الحالة التي يستخدمها أطباء القلب لإنعاش القلب المتوقف وإعادته للحياة.
نحن في اليمن اليوم نحتاج إلى هذا العلاج بالصدمة (الحرب) لإنعاش قلب اليمن المتوقف حتى يستعيد دورته الحياتية من جديد.

في حالة اللاسلم واللاحرب يدفع اليمنيون كل يوم أثماناً باهظة تفوق التي يدفعونها بالحرب؛ سواء عبر الاختطافات والتعذيب حتى الموت، أو تفجير المنازل، أو حوادث الطرقات، وعلى رأس ذلك كله الموت جوعاً وعطشاً ومرضاً وسكتات قلبية أو دماغية بسبب الوضع المتردي وعدم قدرة الناس على إعالة أسرهم وعدم قدرتهم على توفير حياة كريمة لهم.
حتى هذه النقطة والحالة التي يصل الناس إليها لها شاهد من القرآن أرشدنا الله إليها {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}النساء77.. {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}الأحزاب16

إن التعايش مع حالات كثيرة من الانفلات وعدم الاستقرار كمن يتعايش مع الأورام الخبيثة وآلامها المستمرة التي لا تنتهي وترهق الجسد وتودي به إلى الهلاك، بعكس لو تم معالجته واستئصاله فإنه سيمثل له إنقاذاً من هذه الأوجاع.


Create Account



Log In Your Account